منتديات سوبر ماما
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التراث التفسيري لسيد قطب.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:18 pm

تعريف بسيد قطب وآثاره العلمية :
تعريف بسيد قطب وآثاره العلمية .

ولد سيد قطب عام 1326هـ الموافق لسنة 1906م، وقد عاش في أسرة وسط، لا هي بالثرية ثراء فاحشا، ولا هي بالفقيرة التي تعيش الفاقة والخصاصة. وكان للجو والبيئة اللذين ولد فيهما أثر عظيم على حياته، فقد ولد في بيئة مليئة بالأولياء والمشعوذين، فكان أن ارتسمت في نفسه معالم الانحراف عن المحجة البيضاء، ونهج سبل الشيطان، فوجدناه بعد أن شب ونضج فكره يولي اهتمامه لتصحيح عقيدة المسلم، فكانت كتاباته كلها تقريبا تصب في مصب واحد، ألا وهو تحديد خصائص التصور الإسلامي ومقوماته.
اما البيت الذي نشأ فيه سيد قطب فهو بيت صلاح وفلاح، فضلا عما كان عليه أفراده من علم ووعي سياسي، فأبوه كان من الوطنيين الغيورين الذين شاركوا في ثورة عرابي (1882م)، وأخواله كانوا على قدر غير يسير من العلم، مما هيأ لسيد فرصة التعلم والتحصيل، فقد دفع به أبوه وهو طفل صغير إلى الكتاب ليحفظ القرآن الكريم، ونظرا للحالة المزرية التي كانت عليها الكتاتيب أخرجه منها ليلحقه بالمدرسة النظامية بالقرية، وذلك دون أن يهمل تحفيظه القرآن، فكان أن جمع بين حسنات التعليم النظامي الجاد والمثمر، وحفظ القرآن الكريم الذي أتم حفظه ولما يبلغ العاشرة من عمره.
وبعد أن أتم دراسته الابتدائية بمدارس القرية، رحل إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة ثانوية كانت تسمى "تجهيزية دار التعليم"، التي تخرج منها بعد مدة من الزمن، مما جعله مؤهلا لإتمام دراسته العليا بكلية دار العلوم، وقد كان من ألمع طلبتها نجابة ونبوغا وخلقا، وفي هذه المرحلة من عمره بدأت مواهبه الفنية عامة، والأدبية خاصة تتفتح، ولعل أولى ثمراتها كتابه "مهمة الشاعر في الحياة" الذي قدم له الدكتور محمد مهدي علام وهو من أساتذة سيد قطب بدار العلوم بقوله : « إنني لأعد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم، وإذا قلت دار العلوم فقد عنيت دار الحكمة والأدب». وبعد تخرجه من دار العلوم أصبح أستاذا بمدرسة ابتدائية بدمياط، ومارس في هذه الفترة كتابة الأدب بكل فنونه وأجناسه، من نقد، وقصة وشعر، وخاطرة، كما أن الصحف عرفته كصحفي مبدع، فكتب في كثير من الصحف كالأهرام، والأسبوع، والرسالة، والشرق الجديد، والعالم العربي، وغيرها من الصحف والمجلات، ولم يكن متقيدا بإحداها، بل كان ينتقل من واحدة إلى أخرى مما يبرهن على حرصه الشديد على حريته الفكرية.
وفي سنة 1948 ابتعث من طرف الحكومة المصرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليقضي عامين هناك قصد دراسة نظم ومناهج التربية الحديثة، ولكنه خيب آمال باعثيه بعد عودته إلى مصر سنة 1950، ذلك أنه رفض الإسهام في جعل مصر حقلا من حقول التجارب التي تطبقها أمريكا على أبناء وأجيال الدول النامية. وقد كان سفر سيد قطب إلى أمريكا نقطة تحول كبير في حياته الفكرية، ذلك أنه وقف على معالم ومظاهر الفساد الأخلاقي في المجتمع الغربي، وتدني قيمة الإنسان أمام الآلة، بحيث أصبح عبدا لها. فكان أن أعلن سخطه على مادية الغرب ومساوئها، فراح يحذر المسؤولين والقائمين على تربية أبناء المسلمين من خطر الثقافة الغربية على عقيدتنا، وقيمنا وأخلاقنا، وعلى استقرار مجتمعاتنا، فأعلنها حربا شعواء على الثقافة الغربية، ومن يتبناها من المستغربين وكان يبث ذلك في المقالات الصحفية، والندوات الفكرية، وقد جمع كل انتقاداته للثقافة الغربية المادية في كتابه، وهو "أمريكا التي رأيت ".
وبعد عودته من أمريكا، واطلاعه على ما آلت إليه الإنسانية من مصير ينذر بالشؤم أصدر مجلة "الفكر الجديد" التي كان يمولها صاحب مطبعة وهو السيد "محمد حلمي المناوي"، وكان من أهداف المجلة التصدي لمعالم الفساد في المجتمع المصري، والمتمثل في بعض الإقطاعيين (الباشوات) والرأسمالية الجشعة التي كانت يومئذ تدير دفة الأمور السياسية والاقتصادية. وفي سنة 1951 انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ليصبح من أبرز مفكريها ودعاتها وفور خروج الإخوان المسلمين من معتقلات فاروق سنة 1952 انتخب سيد قطب عضوا في مكتب الإرشاد للجماعة، وعين رئيسا لقسم نشر الدعوة في المركز العام للجماعة. وفي مارس 1953 انتدبته لجنة حلقة الدراسات الاجتماعية المصرية ليمثلها في مؤتمر حلقة الدراسات الاجتماعية المنعقد في دمشق، وفي نفس السنة مثل جماعة الإخوان المسلمين في المؤتمر الإسلامي الشعبي بالقدس الشريف. وفي سنة 1954 انتخب من قبل مجلس الإرشاد ليكون رئيسا لتحرير مجلة "الإخوان المسلمون"، وظل يديرها إلى أن أوقف إصدارها في العاشر من سبتمبر من السنة نفسها، وذلك لمعارضتها للاتفاقية المصرية البريطانية التي عقدها رجال الثورة مع الحكومة البريطانية. وكان ذلك بداية مسلسل دموي مخز، حيث سبق سيد قطب وصحبه إلى سراديب الإهانة والعذاب، وزج بهم في زنازين سجون "القلعة" و " السجن الحربي"، و"أبى زعبل" و " ليمان طرة"، ولكن سيد قطب ظل صابرا محتسبا، ولم يستطع الطغاة بوسائلهم الإرهابية أن ينالوا من عزيمته الصلبة أو أن يزعزعوا إيمانه الراسخ بعدل الله تعالى، فقاسى أشد العذاب بقلب مفعم بالصبر والإيمان والاحتساب.
وفي سنة 1955 نقل إلى المستشفى العسكري للمعالجة مما أصابه من آثار التعذيب، والأمراض المختلفة التي أصيب بها نتيجة ظروف السجن غير الإنسانية، وحكم عليه في الثالث من يوليه 1955 من قبل محكمة الشعب بالسجن خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة، وقد كان السجن مناسبة طيبة لإعادته النظر في كتاباته التي كتبها قبل أن يلتزم مع جماعة الإخوان المسلمين.
والغريب في الأمر أن السجن كان بالنسبة لسيد قطب فتحا من الله سبحانه وتعالى، على عكس ما كان يأمله جلادوه، فقد أتاه الله رغم ضعف بنيته، وتكالب الأمراض عليه مكنته من الصمود في وجه الجلادين، وإنجاز الأعمال الشاقة المفروضة عليه، وفوق ذلك بعد ان يعود إلى زنزانته يركن إلى الكتابة والبحث والتحقيق.
وفي سنة1963 وبمبادرة من رئيس الجمهورية العراقية عبد السلام عارف أفرج عن سيد قطب، ولكنه لم يلبث أن اعتقل من جديد، وذلك بتهمة الإعداد لانقلاب عسكري، وأذاقوه الأمرين طيلة عامين كاملين، ثم قدم لمحاكمة صورية قضت بإعدامه مع زمرة من إخوانه وتلامذته، ونفذ فيه رحمه الله حكم الإعدام فجر يوم 29 أغسطس 1966م.
2- سيد قطب : تراثه الفكري والأدبي .
خلف سيد قطب تراثا أدبيا وفكريا ضخما، يشهد بما كان يتمتع به الرجل من موهبة أدبية أصيلة، وطاقة فكرية فذة، ورؤية إسلامية لواقع أمته المتدني، وعي تام بمشكلات العصر السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية. ويمكننا أن نقسم كتاباته إلى ثلاث مراحل، هي جماع حياته، فهو قد بدأ حياته أديبا ناقدا، ثم مفكرا إسلاميا، ثم مفسرا للقرآن الكريم.
أ. تراثه الأدبي :
جرب سيد قطب رحمه الله أغلب الأجناس الأدبية المتعارف عليها في العصر الحديث، من شعر، وقصة، ونقد، وخاطرة، ومقالة أدبية وفكرية مما يشهد له بالنبوغ في مجال الأدب، ويمكننا أن نصنف كتاباته الأدبية إلى ثلاثة أقسام :
1- الـقـصـة :
أ- طفل من القرية (1945).
ب- أشواك.
ج- المدينة المسحورة.
د- الأطياف الأربعة (بالاشتراك مع إخوته).

2- الـشـعــر :
أ- الشاطئ المجهول.
ب- حلم الفجر.
ج- قافلة الرقيق.
3- الـنـقـد :
أ- مهمة الشاعر في الحياة (1932).
ب- نقد مستقبل الثقافة في مصر.
ج- كتب وشخصيات.
د- النقد الأدبي : أصوله ومناهجه.
ب. تراثه الفكري الإسلامي.
يمكننا ان نقسم تراث سيد قطب الفكري الإسلامي إلى قسمين :
1- الكتابات الإسلامية العامة :
وهي التي دعا فيها سيد قطب إلى الالتزام بالإسلام، والسعي إلى تطبيقه، وتغلب عليها النزعة الخطابية، وتظهر فيها حماسة واندفاع الشباب ويمكن حصرها في الكتب التالية:
أ- العدالة الاجتماعية في الإسلام (1948م).
ب- معركة الإسلام والرأسمالية (1950م).
ح- السلام العالمي والإسلام (1951).

2- الكتابات الإسلامية الحركية الهادفة :
وهي خلاصة تجربته، ومعاناته ودراسته لقضايا ومشكلات أمته في العصر الحديث، ويمكن حصرها في الكتب التالية :
أ- هذا الدين.
ب- المستقبل لهذا الدين.
ح- الإسلام ومشكلات الحضارة.
د- معالم في الطريق (1965).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:19 pm

التراث التفسيري لسيد قطب.
هناك عدة عوامل قد تآزرت لتجعل من سيد قطب مفسرا للذكر الحكيم ويمكننا أن نجملها في ما يلي :
1. نشأته في بيت علم وصلاح، يتردد في جنباته عبير تلاوة القرآن، وشذى ترديد آيه، فتنسم سيد هذا الشذى، وذلك العبير، وهو طفل صغير، فترسخ في وجدانه حب القرآن.
2. دراسته بدار العلوم، وهي معقل من معاقل العلم والأدب، مما جعل سيد قطب يتكون تكوينا علميا وأدبيا رفيعا، أهله لأن يكون مفسرا للذكر الحكيم.
ويمكننا ان نحصر كتاباته حول تفسير القرآن الكريم في الكتب التاليه :
أ- التصوير الفني في القرآن (1945)
ب- مشاهد القيامة في القرآن (1945)
ح- خصائص التصور الإسلامي
د- في ظلال القرآن (1953-1964)
ويعتبر تفسير "في ظلال القرآن" الذي فسر فيه صاحبه القرآن الكريم كله، بمنهج خاص ورؤية خاصة اهم ما تركه لنا سيد قطب رحمه الله ، وفي الوقت نفسه من أهم تفاسير القرآن الكريم الحديثة.
3- التطور التاريخي لتفسير " في ظلال القرآن".
إن أي إنجاز علمي ضخم لا يمكن أن يولد مرة واحدة، كاملا، لا تعتوره أي هنات فكرية أو منهجية أوعلمية، بل لابد له من مراحل يقطعها، ولابد له من مدة زمنية تصهر فيها ذات العالم أو المؤلف أوالكتاب، وتختمر فيها أفكاره، وتعركه فيها الأيام، وتحنكه الشدائد، فتتضح الرؤية، ويرتفع الغبش وتنجلي الحجب.
فإذا كان هذا الإنجاز العلمي الضخم يدور حول كتاب الله تعالى، فإن الأمر يصبح عاديا، بل مطلوبا. إن القرآن الكريم تتكشف حقائقه، وتشع أنواره كلما التحم به المؤمن التحاما حقيقيا وصادقا، وخالصا، والإيمان، والصدق، والإخلاص في جملتها تشكل مفتاح كنوز القرآن الكريم، وتعاقب الأيام، وتوالي الابتلاءات، ومجاهدة الواقع، والنفس، والهوى، والشيطان كلها براهين على الإيمان بالحقيقة التي يعيش الإنسان من أجلها، وصدق التوجه إليها والعمل على تحقيقها في الواقع، والإخلاص في تنفيذها بتعليق الأجر والثواب على الله سبحانه، والإيمان والصدق والإخلاص قيم ثلاث لا توجد في الإنسان دفعة واحدة، ولا يتملكها مرة واحدة، فهي درجات يرتقيها المرء واحدة تلو الأخرى، وكلما ارتقى درجة تكشفت حقيقة، وارتفع حجاب من الحجب التي تعتم الرؤية، وشعت في النفس أنوار قدسية تمنحها الشفافية، وتؤهلها للعيش في ظلال القرآن الوارفة. وهذا هو ما حصل بالنسبة لسيد قطب رحمه الله فإن تفسيره "في ظلال القرآن " لم يولد دفعة واحدة، بل سبقت ميلاده إرهاصات تمثلت في ثلاثة كتب وهي :
1- التصوير الفني في القرآن الكريم الذي لم ينجزه هو الآخر دفعة واحدة، بل ولد عبارة عن مقال بمجلة المقتطف سنة 1939 بنفس العنوان(1)، وقد حاول فيه الكشف عن جوانب من الإعجاز الفني للقرآن الكريم، وبين فيه «القدرة القادرة التي تصور بالألفاظ المجردة ما تعجز عن تصويره الريشة الملونة، والعدسة المشخصة»(2) .
ولم يتمكن سيد قطب رحمه الله من إخراج بحثه هذا في صورة كتاب إلا سنة 1945. وعندها اكتشف « أن الصور في القرآن ليست جزءا منه يختلف عن سائره، إن التصوير هو قاعدة التعبير في هذا الكتاب الجميل، القاعدة الأساسية المتبعة في جميع الأغراض، فيما عدا التشريع بطبيعة الحال ...»(3) .
ويعترف سيد رحمه الله أن كتابه "التصوير الفني في القرآن" كان فاتحة فهمه وتذوقه للقرآن الكريم، ففيه اكتشف الوحدة الفنية والجمالية الجامعة لطرائق التعبير في القرآن الكريم، والمتمثلة في قاعدة "التصوير" وفي ذلك يقول : « وحين انتهيت من التحضير للبحث، وجدتني أشهد في نفسي مولد القرآن من جديد، لقد وجدته كما لم أعهده من قبل أبدا، لقد كان القرآن جميلا في نفسي نعم، ولكن جماله كان أجزاء وتفاريق أما اليوم فهو عندي جملة موحدة، تقوم على قاعدة خاصة، قاعدة فيها من التناسق العجيب ما لم أكن أحلم من قبل به، وما لا أظن أحدا تصوره»(1) .
2- أما الكتاب الثاني فهو "مشاهد القيامة في القرآن" الكريم وهو عبارة عن تطبيق للنظرية الفنية الجمالية للتعبير في القرآن الكريم، والتي فصل الحديث عنها في كتابه الأول، والتي تستند إلى قاعدة "التصوير".
3- هناك كتاب آخر يعتبر من المحاولات السابقة لتفسير "في ظلال القرآن" على الشكل الذي يوجد عليه اليوم ، وهو " خصائص التصور الإسلامي ومقوماته"، الذي حاول فيه استخلاص العقيدة الإسلامية من القرآن الكريم، بعيدا عن تعقيدات المتكلمين والفلاسفة. وقد اكتشف فيه وحدة وشمولية المفاهيم والمبادئ الإسلامية.
ويتوج سيد قطب رحمه الله أعماله التفسيرية بتفسيره " في ظلال القرآن" والذي أنجزه على أربعة مراحل :
1. عندما صدرت مجلة "المسلمون" سنة 1950 كتب فيها سيد قطب رحمه الله موضوعا تابثا تحت عنوان " في ظلال القرآن" وقد لقي قبولا واستحسانا من طرف القراء مما جعل إحدى المكتبات القاهرية وهي " دار إحياء الكتب العربية" تسعى لشراء حق طبع ونشر تفسير سيد قطب، واشترطت عليه أن يقدم لها جزءا من تفسيره كل شهر وقد دفع لها حتى غاية شهر يناير 1954 ثمانية أجزاء.
2. بعد أن اعتقل سيد قطب رحمه الله على يد قادة النظام الجديد سنة 1954 استمر في الكتابة والتأليف، وقد كانت حصيلة المدة التي قضاها بالسجن ثلاثة أجزاء من تفسيره " في ظلال القرآن"، وذلك رغم صنوف التعذيب التي كان يلاقيها. وقد أنعم الله عليه بذلكم الابتلاء. فجاء تفسيره للذكر الحكيم تفسير رجل ذاق الإيمان، واثق بعدل ربه، صابر على ابتلائه، شاكر لفضله وإحسانه. وقد مكنته تجربة المعتقل من إجادة تفسير الآيات التي تتحدث عن طغيان، واستعلاء، وتعنت الجبابرة، وعن صبر الأتقياء، وتحملهم لصنوف العذاب، واحتساب ذلك عند الله تعالى، ويوضح لنا الأستاذ يوسف العظم في كتابه عن سيد قطب رحمه الله الأثر البليغ لسجنه وتعذيبه على تفسيره حيث يقول: « الحقيقة التي يعرفها المقربون من الشهيد، المحبون لفكره، الأوفياء لذكراه، أن الرجل كان قد كتب معتمدا على ثقافة حصل عليها من قبل في بطون الكتب، وصدور الرجال فلما عاش بالتجربة الحقة مع القرآن، وذاق المعاناة التي أنارت له طريق أصحاب الدعوات، كان إلى القرآن أقرب، وبه ألصق، فأعاد الكتابة، وراجع الصفحات ليكون الكتاب من جديد متكاملا، يقدمه قلم ممتحن، وقلب مصهور في بوتقة العذاب والصبر على البلاء، فجاء "في ظلال القرآن" منهاجا حركيا، وتجربة حياة، وملحمة من ملاحم الفداء والبلاء، والثبات والتضحيات».
3. أعاد سيد قطب رحمه الله تنقيح ما كتبه من أجزاء تفسيره " في طلال القرآن" وذلك بعد أن أفرج عنه سنة 1964، ذلك أنه لما كان معتقلا كانت مصادره التفسيرية قليلة بل قد نقول نادرة، مما جعل عمليه التنقيح أمرا ضروريا ليستكمل التفسير بعده العلمي والمنهجي، وإن كانت الخطوط المنهجية العريضة لتفسير " في ظلال القرآن " لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر لأنها كانت مستوحاة من القرآن الكريم نفسه، ومن ثم لم يكن في المصادر والمراجع التي رجع سيد عند قيامه بتنقيح تفسيره، ما يحمله على ذلك.
4. بعد ان ألقي القبض عليه مرة ثانية (1965) منع من إتمام تفسيره، مما جعل الشركة التي تعاقد معها سيد رحمه الله على طبع ونشر تفسيره، تقاضى النظام الجديد. ولما كان هذا الأخير لم يحكم قبضته بعد على البلاد والعباد، فإننا نجده يرضخ لحكم المحكمة، ويسمح لسيد قطب بالاستمرار في كتابة تفسيره للقرآن الكريم، وذلك شريطة أن تراجع كتاباته قبل نشرها من قبل لجنة أعدت لذلك الغرض. وكان مما حذفته اللجنة المذكورة، مقدمة سورة الفجر، ومقدمة سورة البروج التي ضمنها المؤلف كتابه "معالم في الطريق" بعنوان "هذا هو الطريق".
والملاحظ أن هناك نوعا من التكامل بين " في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق"، ذلك أن ما فات الكاتب في الأول استدركه في الثاني، والذي أراد منه أن يكون منهاجا لفكر حركي منظم مستخلص من كتاب الله الذي اعتنى بتفسيره، وبسنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي اهتدى بهديها، واستعان بها في تفسيره لآي الذكر الحكيم.
مما سبق نخلص إلى أن تفسير القرآن عند سيد قطب مر بمراحل ثلاث وهي :
المرحلة الأولى :
ويمكننا أن نسميها "بالأداة" وهي تتمثل في كتابيه "التصوير الفني في القرآن" الذي اكتشف فيه القاعدة الأساسية للتعبير في القرآن الكريم وهي " التصوير الفني"، أما الكتاب الثاني فهو "مشاهد القيامة في القرآن" والذي طبق فيه النظرية التي توصل إليها في كتابه الأول.
المرحلة الثانية:
ويمكننا أن نسميها "بالتصور"، وهي تتمثل في كتاب "التصور الإسلامي ومقوماته"، وهو الكتاب الذي حدد فيه معالم العقيدة الإسلامية من خلال القرآن الكريم، وقد اكتشف في كتابه هذا خصائص التصور الإسلامي وهي :
1- الربانـية: فمن خصائص التصور الإسلامي ربانية المنهاج الذي وضعه الخالق لسعادة البشرية جمعاء.
2- الشمـول: الإسلام دين شامل ومتكامل يكفل للإنسان السعادة الخالصة في الدارين.
3- التوازن: فالإسلام دين متوازن، يوفق بين أشواق الروح، ورغبات الجسد.
4- الـثـبـات: الإسلام دين ثابت في أصوله، فهي لا تتبدل ولا تتغير.
5- الإيجابية : يسهم الإسلام في بناء المجتمع الإنساني الراقي، والحياة الإنسانية الفاضلة.
6- الواقعية : الإسلام دين واقعي، بمعنى أنه قابل للتطبيق، وخير دليل على ذلك تطبيق المسلمين الأوائل للإسلام، وتحكيم شريعة الله في كل أمورهم، فسادوا الدنيا، وملأوها نورا وعدلا.
7- التوحيد : وهو الدعامة الأساسية والثابتة في التصور الإسلامي.
المرحلة الثالثة :
ويمكننا أن نسميها "بالوحدة" وهي تتمثل في تفسير سيد قطب " في ظلال القرآن" الذي جمع فيه بين ما توصل إليه في المرحلتين السابقتين، مع شيء من التوسع ليشمل كل القرآن الكريم وبذلك جاء تفسيره جامعا بين النزعة الأدبية الفنية، والنزعة الهدائية التوجيهية.
وهناك خاصية مشتركة بين المراحل التفسيرية الثلاث، وهي التي عبر عنها سيد قطب رحمه الله في كتابه "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته"، حيث الانطلاق من القرآن مباشرة للكشف عن القيم التعبيرية الجمالية، وإيضاح خصائص ومقومات التصور الإسلامي، ونفى كل مقررات سابقة، واجتناب الرد على الشبهات. وهذه الخاصية المنهجية لتفسير سيد قطب للقرآن الكريم. تبين أنه كان يطمح إلى تكوين حصانة إسلامية عند الأمة الإسلامية خاصة عند شبابها ضد أي غزو ثقافي، وإرجاع الثقة إلى النفوس الحائرة والمتخاذلة، وكسر قيد التبعية الذليلة للغرب، وإزالة شبح الهزيمة الحضارية التي تشكل عقدة نفسية خطيرة لدى المسلمين، تجعلهم يفقدون الثقة والأمل في عودة الإسلام والمسلمين إلى مقام الريادة والقيادة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:19 pm

شبهات حول تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب.
يمكننا أن نجمل الشبهات التي أثيرت حول تفسير " في ظلال القرآن" في ثلاث شبهات وهي :
1. شروط المفسر غير متوفرة في سيد قطب رحمه الله .
2. تفسير " في ظلال القرآن" يخالف منهج أهل السنة في التفسير.
3. تفسير "في ظلال القرآن" ليس كتاب علم.
أ- الشبهة الأولى :
إن الشبهة الأولى لا تقوم على أي أساس علمي، بل هي فرية يطلقها أعداء الشهيد سيد قطب رحمه الله ، ومناهضة فكره الإسلامي الحركي، وهي فضلا عن ذلك دعاية مغرضة ضد تفسيره "في ظلال القرآن" الذي يعتبر بحق أهم تراثه الفكري، والذي لا زالت الأجيال تربى على موائده، ولا زالت له قيمته العلمية والأدبية.
ولعلنا إذا رجعنا إلى ترجمة سيد قطب، سنجد أنه حفظ القرآن ولم يبلغ العاشرة من عمره، كما أن أخواله كانوا على نصيب غير يسير من العلم، وفضلا عن ذلك فسيد من خريجي كليه دار العلوم، وهي معقل لعلوم اللغة العربية، والدراسات الإسلامية فكيف يقال عنه إنه لا تتوفر فيه شروط المفسر؟.
ثم إذا دققنا النظر في شخصية سيد قطب العلمية، وجدناه متوفرا على أهم الشروط العلمية والأدبية والأخلاقية، التي تؤهله لأن يكون مفسرا للقرآن الكريم. ويمكننا أن نحددها في النقط التالية :
1. كان سيد قطب رحمه الله على معرفة تكاد تكون تامة باللغة العربية كما أنه خبر الأساليب العربية، واطلع على خفاياها البلاغية، ويتضح لنا ذلك من خلال كتاباته الأدبية والنقدية.
2. يملك سيد قطب رحمه الله موهبة أدبية ، وطاقة فكرية، مكنته من أن يبدع في مختلف الأجناس الأدبية، كالقصة، والشعر، والنقد، كما صنف كتابات فكرية نالت إعجاب كل متتبعي الحركة الفكرية الإسلامية المعاصرة، بل هناك من الباحثين من يعد سيد قطب رائد الحركة والنهضة الفركية الإسلامية المعاصرة.
3. كان سيد قطب على اطلاع واسع على الفكر الغربي، ووعي شامل بمشكلات العصر وأزماته، مما جعله يضع يده على مكمن الداء في الأمة الإسلامية، ويعالج قضاياها ومشكلاتها من وجهة نظر إسلامية خالصة، فكما قدم لها فكرا إسلاميا نابعا من الكتاب والسنة، يشكل في جملته مناعة وحصانة ضد أي غزو ثقافي يستهدق عقيدتها وكيانها.
4. ومن أهم آداب المفسر التي كان يتمتع بها سيد قطب رحمه الله الإخلاص وصدق التوجه إلى الله تعالى، وقد زادت الابتلاءات المتوالية عليه تأكيد إخلاصه، وسعيه إلى مرضاة الله، وزهده في الدنيا وإصراره على قول كلمة الحق، ولو كان ذلك يساوي حبل المشنقة، وقد حصل!.
ب- الشبهة الثانية :
أما الشبهة الثانية والتي يدعي أصحابها أن " في ظلال القرآن" يخالف منهج أهل السنة في التفسير، المبني على القواعد الخمس الأساسية:
1. تفسير القرآن بالقرآن.
2. تفسير القرآن بالسنة النبوية الشريفة.
3. تفسير القرآن بقول الصحابة.
4. تفسير القرآن بقول التابعين.
5. تفسير القرآن بمطلق اللغة.
ونحب أن نوضخ أن منشأ هذه الفرية هو السطحية في قراءة ودراسة "في ظلال القرآن"، وتعميم الأحكام المستخلصة من دراسة جزء بسيط من التفسير على التفسير كله، وفضلا عن ذلك نجدهم قد وقعوا في خطأ منهجي صارخ. فهم لا يرون أن تفسيرا ما يوافق منهج التفسير عند أهل السنة إلا إذا طبق المراحل التفسيرية تطبيقا حرفيا، في حين أن ذلك ليس ضروريا لإدراج تفسير ما تحت إطار تفاسير أهل السنة، لأنه يكفي أن لا يتعارض ما توصل إليه المفسر مع ما توصل إليه أهل السنة سواء تعلق الأمر بالقضايا العقدية او الفقهية، وذلك بناء على القاعدة الأصولية التي تفيد أن أي حكم أو رأي يمكن الأخذ به، وتبنيه واعتباره حجة شرعية شريطة أن يستند إلى نص أو ألا يعارض نصا آخر.
وبغض النظر عما سبق فإن تفسير سيد قطب قد التزم في الأغلب الأعم منهج أهل السنة في التفسير، وذلك ما ستحاول هذه الدراسة الكشف عنه.
وهناك نقطة أخرى قد تزيل كثيرا من اللبس والغموض، وتبوئ تفسير "في ظلال القرآن" مكانته المتميزة، وهي أنه على خلاف ما يدعى من أن هذا التفسير تفسير أدبي أو اجتماعي، أو هما معا، فإن التفسير في حقيقته غير ذلك كله، وتصنيفه التصنيف الصحيح لا يتم إلا بدراسة نصية مقارنة، ومتأنية، ولعل دراسة من هذا النوع تكشف عن مقومات وخصائص منهجية وتصورية، تجعل في "ظلال القرآن" تفسيرا متميزا عن التفاسير ذات الصبغة الأدبية، أو الاجتماعية، ويمكننا بعد قيامنا بدراسة مستفيضة لهذا التفسير أن نؤكد بأن له منهجا خاصا، وتصورا خاصا يميزانه عما سواه، بل حتى الهدف من إعداده، وإخراجه إلى الناس، هدف خاص ومتميز، فصاحبه قد أعده ليكون زادا للمسلم المعاصر ليتسلح به في معترك الحياة، وليحيا به حياة إسلامية، وليدفعه إلى الحركة والعمل والجهاد من أجل إقامة مجتمع مسلم. ومن ثم نرى أن يسمى هذا التفسير بإحدى التسميتين :
1- تفسير حركي للقرآن الكريم.
2- تفسير داعية.
والنظر إلى تفسير سيد قطب من هذه الزاوية - أي على أنه تفسير حركي أو تفسير داعية - سيجعلنا ندرك الأسباب التي جعلته، لا نقول يتخفف من الالتزام الحرفي بمنهج أهل السنة في التفسير، ولكن لا يكرر ما يوجد في كل تفاسير القرآن الكريم - قديمها وحديثها- فهو لم يرد لتفسيره أن يكون اجترارا لما سبق أن قيل في التراث التفسيري الضخم، ولم يرد أن يضيع طاقته ووقته في مواجهة عصره بكل تياراته الفكرية، واتجاهاته السياسية وخططه الاقتصادية، وأنماطه الحضارية، وإنما أراد أن يطلع الناس على ما يتضمنه القرآن الكريم من عقيدة توقظ الضمير، وتملأ القلب، وتحرك الجوارح، وتدفع إلى العمل والكفاح من أجل إثبات الذات، وتحقيق الكرامة الضائعة، وسحق المؤامرة، ودحر أعداء الإسلام في الداخل والخارج، ثم العمل على أن يعود الإسلام مرة ثانية لقيادة البشرية. فتفسير " في ظلال القرآن "، قد جاء استجابة لحاجة إيمانية وثقافية للمسلم المعاصر، ولذلك نجد سيد قطب في تفسيره هذا، يبعد عن الخوض في القضايا الفلسفية أو الكلامية، أو الرد على الشبهات، أو الجدل العقيم، ويوجه كل همه إلى عرض التصور الإسلامي بأسلوب جزل بسيط، وخال من كل تعقيد، وذلك حتى يكون لدى المسلم عقيدة صحيحة، وفهما سليما لمبادئ ومفاهيم الإسلام الأساسية، يشكلان في مجملهما حصانة ضد أي غزو ثقافي وتدفعانه بالتالي إلى تحقيق الإسلام جملة وتفصيلا في عالم الواقع، بقلب مؤمن، وجنان ثابت، وعزيمة قوية، وبحماسة، وصدق، وإخلاص.


ج- الشبهة الثالثة :
واما الشبهة الثالثة فنجدها عند كثير من الباحثين، ولعل الدكتور صبحي الصالح من أبرز من قالوا بها، وذلك في كتابه "مباحث في علوم القرآن"، وهذا نص قوله : « ولسيد في تفسير "في ظلال القرآن" لمحات موفقة في فهم أسلوب القرآن في التعبير والتصوير، إلا أن الغرض الأول منه تبسيط المبادئ القرآنية للنشئ، فهو إلى التوجيه أقرب منه إلى التعليم».
ويفهم من هذا القول أن تفسير " في ظلال القرآن" لا يفيد معرفة، وإنما هو كتاب تربوي للنشئ يبسط لهم مبادئ الإسلام، ويوجههم إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات. أما غيرهم ممن حصلوا شيئا من العلم، ونما وعيهم وإدراكهم فإنهم لن يجدوا ضالتهم في هذا التفسير، ولن يقدم لهم معرفة تزكي رصيدهم العلمي، وتنمي وعيهم.
والظاهر أن منشأ هذه الشبه راجع إلى عنوان التفسير ذاته، فهو يوحي بأنه ليس تفسيرا للقرآن الكريم. مؤسسا على قواعد علمية، وأصول منهجية واضحة، تهدف إلى تقديم معرفة نافعة ومثمرة. وإنما هو انطباعات، وخواطر حول العقيدة، والنفس، والحياة، والناس. وفي حقيقة الأمر فإن واقع تفسير سيد قطب هو غير ما يوحي به عنوان " في ظلال القرآن"، ولعل مرد هذه التسمية إلى تواضع العلماء.
والدراسة العلمية، والقراءة المتأنية، كفيلة بأن تثبت أنه ليس كتاب توجيه فقط، وإنما هو كتاب توجيه وتعليم معا، فهو يقدم معرفة واسعة بأساليب القرآن البلاغية، وشيء من علم القرآن والحديث، والسيرة والتاريخ، والفكر المعاصر بتياراته الفكرية المتضاربة، كما يقدم فكرا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا نابعا من الكتاب والسنة.
كما ان النظر إلى تفسير " في ظلال القرآن" على أنه تفسير كغيره من التفاسير قد يسقط في هذه الشبهة، ولن تزول آثارها إلا إذا نظر إليه على أنه تفسير متميز في منهجه وتصوره، وأنه قد جاء استجابة لظروف العصر التي يعيشها المسلمون، وأن صاحبه لم يرد أن يجعل منه مدونة لما سبق أن قيل في تفاسير القرآن الكريم السابقة، لأن ذلك لن يضيف شيئا جديدا إلى التراث التفسيري الضخم، ولا يحقق منفعة تذكر بالنسبة للمسلم المعاصر، الذي هو في أشد الحاجة إلى من يوقفه على العقيدة الصحيحة، والفكر المتنور الذي يستطيع به أن يصمد في وجه أي غزو ثقافي. وفضلا عن ذلك فإن المباحث العلمية الدقيقة والمعمقة، سواء في علوم القرآن و الحديث و الأصول و الفقه، و الفلسفة وعلم الكلام لا تعدو أن تكون صارفة عن « استلهام آيات القرآن الكريم في التوجيه والهداية في كل شؤون الحياة بما تكشف عن وفاء القرآن بحاجة البشرية وفاء لا يعوزها إلى غيره من طرائف الهدايات». فسيد قطب كان يهدف من وراء تفسيره للقرآن الكريم أن يربط المسلم المعاصر بكتاب دعوته "القرآن"، ويجعله يعيش في ظلاله الوارفة لا أن يجعله يحوم حوله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:20 pm

الأسس الفكرية لتفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب.
إن فهم تفسير "في ظلال القرآن" - في نظرنا- يتوقف على تحديد الأسس الفكرية التي يقوم عليها، فبها نستطيع إدراك الأهداف التي يرمي إليها المفسر، ثم إذا أضفنا إلى تلكم الأسس الدراسة النصية القائمة على التحليل والمقارنة، تمكنا من تحديد المنهج والاتجاه التفسيري الذي يمكن أن نصنف إليه هذا التفسير.
ويمكن تقسيم هذه الأسس الفكرية إلى أربعة أسس رئيسية وهي:
1- أسس تتعلق بالعقيدة.
2- أسس تتعلق بطبيعة الدين الإسلامي.
3- أسس تتعلق بطبيعة الإنسان وعلاقته بخالقه، وبأخيه الإنسان، وبالكون من حوله.
4- أسس تتعلق بواقع البشرية في العصر الحديث.
وهذه الأسس الفكرية تشكل المحور الأساسي لتفسير "في ظلال القرآن"، كما أنها تمثل خلاصة فكر سيد قطب -رحمه الله- بعد أن تدرج في الحياة، كأديب مبدع، ثم مفكر إسلامي، ثم مفسر للقرآن الكريم، كما أنها تعتبر نتيجة موضوعية للوعي الكامل والشامل بواقع الأمة الإسلامية في العصر الحديث والرغبة الطموح إلى كسر رتابة حياتها، ورفع نير التبعية والاستعباد عن رقاب أبنائها، وإحداث انقلاب شامل في حياتها، وحياة الأمم الأخرى من حولها، انقلاب في التصورات والمبادئ والقيم، وانقلاب في الأشواق والرغبات، ليستعلى الإيمان.
1- أسس تتعلق بالعقيدة :
أ- التوحيد :
عقيدة التوحيد هي أصل الأصول في العقيدة الإسلامية، وهي تمثل القاعدة الأساسية للتصور الإسلامي، وهي « مفرق الطريق بين النظام والفوضى في العقيدة لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد تقر له بالسيادة المطلقة، وتنفض عن كأهلها زحمة الأرباب المتفرقة... ومن ثم كان التوحيد الكامل الخالص، المجرد الشامل، الذي لا تشوبه شائبة من قريب ولا من بعيد، هو قاعدة التصور التي جاء بها الإسلام وظل يجلوها في الضمير، ويتتبع فيه كل هاجسة، وكل شائبة حول حقيقة التوحيد، حتى يخلصها من كل غبش، ويدعها مكينة راكزة لا يتطرق إليها وهم في صورة من صوره » .
وتخصيص الله وحده بالعبودية ما هو إلا إعلان لتحرير الإنسان تحريرا كاملا من ربقة التبعية والخضوع لغير الله سواء أكان بشرا أو حجرا أو بقرا أو هوى أو شيطانا، « وإذا كان الله وحده هو الذي يعبد، والله وحده هو الذي يستعان فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات» .
ب- الحاكمية:
لا يفرق سيد قطب رحمه الله¬ بين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وبين التلقي من الله وحده في التشريع، فهي جميعا من مقتضيات التوحيد، وفي ذلك يقول :« هذه الوحدانية الحاسمة الناصعة هي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي، والتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها، فعن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة، فلا يكون الإنسان عبدا إلا لله، ولا يتجه بالعبادة إلا لله، ولا يلتزم بطاعة إلا طاعة الله، وما يأمره الله به من الطاعات، وعن هذا التصور تنشأ قاعدة: الحاكمية لله وحده، فيكون الله وحده هو المشرع للعباد ويجيء تشريع البشر مستمدا من شريعة الله» .
وهذا الرأي قد ذهب إليه من قبل الأستاذ أبو الاعلى المودودي رحمه الله في كتابه "الحكومة الإسلامية" حيث نص على أن القرآن الكريم يوضح « توضيحا تاما حاكمية الله القانونية، ويقدمها جنبا إلى جنب مع عقيدة "معبودية" الدينية، ويؤكد على أن هاتين الصفتين هما المقتضيات اللازمة لألوهيته تعالى، وأن كلا منهما لا تنفصم عن الأخرى، وإنكار إحداهما يستلزم بالضرورة إنكار ألوهية الله، ولم يدع القرآن مجالا يظن منه احتمال فهم القانون الإلهي على أنه قانون الفطرة، بل على العكس أقام دعوته على أساس حتمية تسليم الإنسان بقانون الله الشرعي في حياته الأخلاقية والمجتمعية، وهو القانون الذي بعثه الله على يد الأنبياء، وقد سمى قبول هذا القانون الشرعي، والتخلي أمامه عن الحرية الشخصية "إسلاما"، ورفض في عبارات وألفاظ واضحة حق الإنسان في أن يفصل برأيه في الأمور التي أصدر الله ورسوله فيها حكما وفصلا { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}». بل إن سيد قطب يعد توحيد الحاكمية دليلا على وجود الإيمان في القلب، والإشراك في الحاكمية بمعنى رفض شرع الله تعالى، وعدم الاستسلام لتوجيهاته أمرا أو نهيا، يقوم دليلا على عدم وجود الإيمان في القلب، فتحكيم المنهج الرباني في الحياة كلها، ورد الأمور - صغيرها وكبيرها شريفها وحقيرها- إلى الله تعالى، وإلى رسوله الكريم، ليس من قبيل الترف الفكري، وليس موكولا إلى أهوائنا، بل هو ضرورة إيمانية، قبل أن يكون ضرورة تشريعية أو تنظيمية للحياة البشرية وفي ذلك يقول سيد قطب :
« إن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعا، ولا موضع اختيار، إنما هو الإيمان أو فلا إيمان { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} ..{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين} .
والامر إذن جد .. إنه أمر العقيدة من أساسها .. ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها - إن هذه البشرية- وهي من صنع الله - لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، لا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده -سبحانه- وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق، وشفاء كل داء { وننزل من القرآن ما هو شفاء وراحة للمؤمنين} .. { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}...» .
ج- الاعتقاد بالآخرة :
إن الاعتقاد بالآخرة، والإيمان بيوم القيامة، يوم الدين الذي يبعث فيه الناس جميعا، ليقفوا بين يدي الله تعالى ليجزي كل نفس ما كسبت « كلية من كليات العقيدة الإسلامية، ذات قيمة في تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الأرض، وعندئذ يملكون الاستعلاء على هذه الضرورات، ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم في عمرهم القصير،المحدود، وفي مجال الأرض المحصور، وعندئذ يملكون العمل لوجه الله، وانتظار الجزاء حيث يقدره الله في الأرض أو في الدار الآخرة سواء في طمأنينة لله، وفي ثقة بالخير، وفي إصرار على الحق، وفي سعة وسماحة ويقين، ومن ثم فإن هذه الكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية

للنزوات والرغائب، والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان، بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بالقيم الربانية، والاستعلاء على منطق الجاهلية، مفرق الطريق بين الإنسانية في حقيقتها العليا التي أرادها الله الرب لعباده، والصور المشوهة المنحرفة التي لم يقدر لها الكمال. وما تستقيم الحياة البشرية على منهج الله الرفيع ما لم تتحقق هذه الكلية في تصور البشر، وما لم تطمئن قلوبهم إلى أن جزاءهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير، وما لم يثق الفرد المحدود العمر بأن له حياة أخرى تستحق أن يجاهد لها، وأن يضحى لنصرة الحق والخير معتمدا على العوض الذي يلقاه فيها .. وما يستوي المؤمنون بالآخرة والمنكرون لها في شعور، ولا خلق، ولا سلوك، ولا عمل، فهما صنفان مختلفات من الخلق، وطبيعتان متميزتان في الأرض في العمل، ولا تلتقيان في الآخرة في جزاء. وهذا هو مفرق الطريق...».
د- طبيعة العلاقة بين الله ومخلوقاته :
إن الله سبحانه وتعالى قد خلق الكون كله بما فيه ومن فيه، ولم يتركه هملا، بل شمله بالرعاية والعناية التي « لا تنقطع ولا تغيب، لا كما كان أرقى تصور فلسفي لأرسطو مثلا يقول بأن الله أوجد هذا الكون ثم لم يعد يهتم به، لأن الله أرقى من أن يفكر فيما هو دونه، فهو لا يفكر إلا في ذاته ! وأرسطو ـ وهذا تصوره ـ هو أكبر الفلاسفة، وعقله هو أكبر العقول ..». واما علاقة الله تعالى بالكون كله عامة، وبالإنسان خاصة فهي علاقة « الرحمة التي تستجيش الحمد والثناء، إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية. إن الرب الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق، ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في "العهد القديم" كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين".

2- أسس تتعلق بطبيعة الدين الإسلامي :
هذه الأسس التفسيرية المتعلقة بطبيعة الدين الإسلامي تتركز حول خصائص ومميزات الإسلام، التي تجعله يختلف عن غيره من الديانات والمذاهب والمعتقدات، سواءا كانت سماوية وعبثت بتعاليمها يد جهال البشر، أم كانت من صنع الإنسان، وابتكار هواه ابتداء. ويمكننا ان نقسم هذه الأسس التفسيرية إلى تسعة أسس :
أ- الإسلام دين الفطرة، فهو يسير هينا لينا معها « يدفعها من هنا، ويردعها من هناك، ويقومها حتى لا تميل، ولكنه لا يكسرها، ولا يحطمها، إنه يصبر عليها صبر العارف الواثق من الغاية المرسومة، والذي لا يتم في هذه الجولة يتم في الجولة الثانية والثالثة، والعاشرة أو المائة او الألف... فالزمن ممتد، والغاية واضحة، والطريق إلى الهدف الكبير طويل، وكما تنبت الشجرة
الباسقة، وتضرب بجذورها في التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك.. كذلك ينبت الإسلام ويمتد في بطء وعلى هينة وفي طمأنينة، ثم يكون دائما ما يريده الله أن يكون .. والزراعة قد تسقى عليها الرمال، وقد يأكل بعضها الدود، وقد يحرقها الظمأ، وقد يغرقها الري، ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء وانها ستغالب الآفاق كلها على المدى الطويل، فلا يتعفن ولا يقلق، ولا يحاول إنضاجها بغير وسائل الفطرة الهادئة المتزنة السمحة الودودة، إنه المنهج الإلهي في الوجود كله {ولن تجد لسنة الله تبديلا}».
ب- شريعة الله التي ارتضاها -سبحانه- لعباده ما هي إلا جزء من القانون الكلي في الكون، ومن ثم فتطبيقها يعمل - لا ريب - على تحقيق التناسق والتجاوب والتوازن مع كل مخلوقات الله سبحانه في الوجود :« إن شريعة الله للناس هي طرف من قانونه الكلي في الكون، فإنفاذ هذه الشريعة لابد أن يكون له أثر إيجابي في التنسيق بين سيرة الناس، وسيرة الكون، والشريعة إن هي إلا ثمرة الإيمان، لا تقوم وحدها، بغير أصلها الكبير، فهي موضوعة لتفذ في مجتمع مسلم، كما أنها موضوعة لتساهم في بناء المجتمع المسلم، وهي متكاملة مع التصور الإسلامي كله للوجود الكبير، وللوجود الإنساني، ومع ما ينشئه هذا التصور من تقوى في الضمير، ونظافة في الشعور، وضخامة في الاهتمامات، ورفعة في الخلق، واستقامة في السلوك، وهكذا يبدو التكامل والتناسق بين سنن الله كلها، سواء ما نسميه القوانين الطبيعية، وما نسميه القيم الإيمانية، فكلها أطراف من سنة الله الشاملة لهذا الوجود».
ج- المنهج الإسلامي منهج صالح للتطبيق في كل الأزمنة والبيئات، وهو منهاج عمل موضوع للإنسان، وآخذ في الاعتبار فطرته، وإمكانياته المادية والمعنوية، وهو فضلا عن ذلك موضوع للآماد الطوال، ومن ثم فهو بعيد النظر«فالمنهج الإلهي - كما يبدو في ظلال القرآن - موضوع ليعمل في كل بيئة، وفي كل مرحلة من مراحل النشأة الإنسانية، وفي كل حالة من حالات النفس البشرية الواحدة، وهو موضوع لهذا الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض، آخذ في الاعتبار فطرة الإنسان وطاقاته واستعداداته، وقوته وضعفه، وحالاته المتغيرة التي تعتريه. إن ظنه لا يسوء بهذا الكائن فيحتقر دوره في الأرض، أو يهدر قيمته في صورة من صور حياته، سواء وهو فرد، او وهو عضو في جماعة، كذلك هو لا يهيم مع الخيال، فيرفع هذا الكائن فوق قدره، وفوق طاقته، وفوق مهمته التي أنشأه الله لها يوم أنشأه، ولا يفترض في كلتا الحالتين أن مقومات فطرته سطحية، تنشأ بقانون، أو تكشط بجرة قلم! الإنسان هو هذا الكائن بعينه، بفطرته وميوله، واستعداداته، يأخذ بحسب تكوينه ووظيفته، ويحترم ذاته وفطرته، ومقوماته، وهو يقود في طريق الكمال الصاعد إلى الله، ومن ثم فإن المنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل - الذي يعمله خالق هذا الإنسان، ومنزل هذا القرآن - ومن ثم لم يكن معتسفا، ولا عجولا في تحقيق غاياته العليا من هذا المنهج».
د- القيم الإيمانية والقوانين الطبيعية صنوان لا ينفصلان، فكلاهما من السنن الإلهية المترابطة، فهناك قوم - انطلاقا من دوافع مغرضة، أو نتيجة الجهل وسوء الفهم، والتدبر - يفصلون « بين نوعين من السنن الإلهية هما في حقيقتهما غير منفصلين، فهذه القيم الإيمانية هي بعض سنن الله في الكون كالقوانين الطبيعية سواء بسواء، ونتائجها مرتبطة ومتداخلة، ولا مبرر للفصل بينهما في حس المؤمن وفي تصوره.. وهذا التصور الصحيح الذي ينشئه القرآن في النفس حين تعيش في ظلال القرآن، ينشئه وهو يتحدث عن أهل الكتاب السابقة، وانحرافهم عنها، وأثر هذا الانحراف في نهاية المطاف :{ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم، ولأدخلناهم جنات النعيم، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}. وينشئه وهو يتحدث عن وعد نوح لقومه { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} وينشئه وهو يربط بين الواقع النفسي للناس، والواقع الخارجي الذي يفعله الله بهم : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} .
إن الإيمان بالله، وعبادته على استقامة، وإقرار شريعته في الأرض.. كلها إنفاذ لسنن الله، وهي سنن ذات فاعلية إيجابية، نابعة من ذات المنبع الذي تنبثق منه سائر السنن الكونية التي نرى آثارها الواقعية بالحس والاختبار».
هـ - لا مجال للصدفة في الوجود، فكل شيء فيه لحكمة، والمؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب، والله هو الذي يقدر آثارها ونتئجها « وفي ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان للمصادفة العمياء، ولا للفتلة العارضة { إنا كل شيء خلقناه بقدر}، {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}، وكل أمر لحكمة، ولكن حكمة الغيب العميقة لا تتكشف للنظرة الإنسانية القصيرة، { فعسى أن تكرهوا شيئا، ويجعل الله فيه خيرا لكم} . { وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون} . والأسباب التي تعارف عليها الناس، قد تتبعها آثارها، وقد لا تتبعها، والمقدمات التي يراها الناس حتمية، قد تعقبها نتائجها، وقد لا تقعبها، ذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنشئ الآثار والنتائج، وإنما هي الإرادة الطليقة، التي تنشئ الآثار والنتائج، كما تنشئ الأسباب والمقدمات سواء { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} ، { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} . والمؤمن يأخذ بالأسباب لأنه مأمور بالأخذ بها، والله هو الذي يقدر آثارها ونتائجها، والاطمئنان إلى رحمة الله، وعدله، وإلى حكمته، وعلمه، هو وحده الملاذ الأمين، والنجوة من الهواجس والوساوس {الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة وفضلا، والله واسع عليم} ..».
وـ ليس هناك أدنى تعارض بين المنهج الإلهي، والإبداع الإنساني، فالإسلام لا يصادر فكر الإنسان، ولا يعطل قدراته العقلية، والنفسية والعضلية، بل يفسح لها المجال جميعا لتحقق مفهوم الاستخلاف بكل أبعاده التي حددها التصور الإسلامي، « وهناك عصابة من المضللين الخادعين، أعداء البشرية، يضعون لها المنهج الإلهي في كفة، والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى، ثم يقولون لها : اختاري! اختاري إما المنهج الإلهي في الحياة والتخلي عن كل ما أبدعته يد الإنسان في عالم المادة، وإما الأخذ بثمار المعرفة الإنسانية والتخلي عن منهج الله! وهذا خداع لئيم خبيث. فوضع المسألة ليس هكذا أبدا، إن المنهج الإلهي ليس عدوا للإبداع الإنساني، إنما هو منشئ لهذا الإبداع وموجه له الوجهة الصحيحة.. ذلك كي ينهض الإنسان بمقام الخلافة في الأرض. هذا المقام الذي منحه الله له. وأقدره عليه، ووهبه من الطاقات المكنونة ما يكافئ الواجب المفروض عليه فيه. وسخر له من القوانين الكونية ما يعينه على تحقيقه، ونسق بين تكوينه وتكوين هذا الكون ليملك الحياة والعمل والإبداع.. على ان يكون الإبداع نفسه عبادة الله، ووسيلة من وسائل شكره على آلائه العظام، والتقيد بشرطه في عقد الخلافة، وهو أن يعمل ويتحرك في نطاق ما يرضي الله. فأما أولئك الذين يضعون المنهج الإلهي في كفة والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى، فهم سيئوا النية، شريرون، يطاردون البشرية المتعبة الحائرة كلما تعبت من التيه والحيرة والضلال، وهمت أن تسمع لصوت الحادي الناصح، وأن تؤوب من المتاهة المهلكة، وأن تطمئن إلى كنف الله...».
زـ الأصل في الحياة كلها الخير والصلاح والإحسان، وهي في منهج الله أصيلة في بناء هذا الوجود، شأنها شأن الحق، وهي « باقية في الأرض { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها، فاحتمل السيل زبدا رابيا، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله، كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال} .. { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء} .
أي طمأنينة ينشئها هذا التصور؟ وأي سكينة يفيضها على القلب؟ وأي ثقة في الحق والصلاح؟ وأي قوة واستعلاء على الواقع الصغير يسكبها في الضمير؟...» .
ح ـ النصرة والغلبة للحق، ولدعاته وإن كانوا قلة، وكان أنصار الباطل كثرة { قال الذين يطنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين} .
« فهذه هي القاعدة في حس الذين يوقنون أنهم ملاقو الله، القاعدة : ان تكون الفئة المؤمنة قليلة لأنها هي التي ترتقي الدرج الشاق حتى تنتهي إلى مرتبة الاصطفاء والاختيار ولكنها تكون الغالبة، لأنها تتصل بمصدر القوى، ولأنها تمثل القوة الغالبة، قوة الله الغالب على أمره، والقاهر فوق عباده، محطم الجبارين، ومخزي الظالمين، وقاهر المتكبرين» .


3- أسس تتعلق بطبيعة الإنسان، وعلاقته بخالقه، وبأخيه الإنسان وبالكون من حوله .

I. جنسية المسلم عقيدته : الإنسان مخلوق كريم، سخر الله له كل ما في الوجود لخدمته، ومكنه منه ليتحقق مفهوم الاستخلاف : « ولأن الإنسان بهذا القدر من الكرامة، والسمو، جعل الله الآصرة التي يتجمع عليها البشر، هي الآصرة المستمدة من النفحة الإلهية الكريمة، آصرة العقيدة في الله، فعقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله، ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع، وسياج!».
Ii. الإنسان قوة فعالة من قوى الوجود : « وعلمه وإرادته، وإيمانه، وصلاحه، ونشاطه، هي كذلك قوى ذات آثار إيجابية في هذا الوجود، وهي مرتبطة بسنة الله الشاملة للوجود، وكلها تعمل متناسقة، وتعطى ثمارها كاملة حين تتجمع وتتناسق، بينما تفسد آثارها، وتضطرب، وتفسد الحياة معها، وتنتشر الشقوة بين الناس، والتعاسة حين تفترق، وتتصادم { ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. فالارتباط قائم وثيق بين عمل الإنسان، وشعوره وبين مجريات الأحداث في نطاق السنة الإلهية الشاملة للجميع_».
Iii. المؤمن ذو نسب عريق يتمثل في أنبياء الله الصالحين، وتجربته مع الجاهلية لا تختلف في شيء عن تجربتهم معها، ومصيره هو مصيرهم، ويقينه هو نفس يقينهم « هذا الموكب الكريم الممتد في شعاب الزمان من قديم، يواجه - كما يتجلى في ظلال القرآن- مواقف متشابهة، وأزمات متشابهة، وتجارب متشابهة، على تطاول العصور، وكر الدهور، وتغير المكان، وتعدد الأقوام، يواجه الضلال، والعمى والطغيان، والهوى، والاضطهاد، والبغى، والتهديد، والتشريد، ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو، مطمئن الضمير، واثقا من نصر الله، متعلقا بالرجاء فيه، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم، ذلك لمن خاف مقامي، وخاف وعيد} .
موقف واحد، وتجربة واحدة، وتهديد واحد، ويقين واحد، ووعد واحد للموكب الكريم، وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف، وهو يتلقون الاضطهاد، والتهديد والوعيد».
Iv. علاقة الإنسان بالكون من حوله علاقة صداقة ومودة، فالكون له روح تتلقى وتستجيب، وتشارك الإنسان عبوديته لله، ومن ثم فلا

تنافر، ولا تصادم بينهما، بخلاف ما يدعيه الغربيون من تصارع مع قوى الطبيعة، وسعي حثيت لقهرها، وما يترتب عن هذا المفهوم الخاطئ لتصور العلاقة بين الإنسان والكون من حوله، من اختلال في ناموس الحياة، مما يجعل الإنسان يرتكس في الحمأة الوبيئة ليذوق وبال أمره، وعاقبته أنكى وأمر. وقد عبر سيد قطب - رحمه الله - عن هذا الأساس - في أسلوب مشرق، ودقة فكرية متناهية تعبر عما تأصل في نفسه من موهبة أدبية رفيعة، وفكر مبدع، وروح مؤمنة، وعقل متقد - بقوله : « إن المرحلة التي يقطعها (الإنسان) على ظهر هذا الكوكب إنما هي رحلة في كون حي مأنوس، وعالم صديق ودود، كون ذي روح تتلقى وتستجيب، وتتجه إلى الخالق الواحد الذي تتجه إليه روح المؤمن في خشوع {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال} ..{ تسبح له السماوات السبع، والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده} . أي راحة وأي سعة وأي أنس، وأي ثقة يفيضها على القلب هذا التصور الشامل الكامل الفسيح الصحيح؟» .

4- أسس تتعلق بواقع البشرية في العصر الحديث.

وركز سيد قطب فيها على مظاهر البعد عن منهاج الله، واتباع الهوى أوالشيطان، وانتقد فيها تضخيم الجانب المادي على الجانب الروحي في الحياة، مما جعل الإنسان يعيش حياة الضنك والضيق، والشقاء، رغم ما حققه من تقدم مادي - لم تعهد البشرية له مثيلا عبر تاريخها المديد- يوفر له أسباب الراحة والسعادة المادية يمكننا أن نجمل هذه الأسس في أساسين هما:
أ- المجتمع الإنساني يعيش اليوم في جاهلية فلسفية بغيضة حادت به عن المنهاج الذي ارتضاه الله لخلقه حتى يتحقق مفهوم الاستخلاف، وقد أشار سيد قطب إلى هذا الأساس في مقدمة تفسيره، حين قال : « وعشت - في ظلال القرآن- أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة، أنظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال، وتصورات الأطفال واهتمامات الأطفال، كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال، ومحاولات الأطفال، ولثغة الأطفال، وأعجب ما بال هذا الناس؟! ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة، ولا يسمعون النداء العلوي الجليل، النداء الذي يرفع العمر ويباركه ويزكيه؟».

ب- إن تنحية الإسلام عن واقع الحياة هو أكبر مصيبة عرفتها البشرية، وكان ذلك إيذانا بتمزقها نفسيا، وانحلالها اجتماعيا، فعاشت معيشة ضنكا لا تعرف فيها إلا الشقاوة والحيرة والحروب والكوارث، فكانت هذه التنحية « نكبة قاصمة في حياتها، لم تعرف لها البشرية نظيرا في كل ما ألم بها من نكبات. لقد كان الإسلام قد تسلم القيادة بعدما فسدت الأرض، وأسنت الحياة، وتعفنت القيادات، وذاقت البشرية الويلات من القيادات المتعفنة، و { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} . تسلم الإسلام القيادة بهذا القرآن،وبالتصور الجديد الذي جاء به، وبالشريعة المستمدة من هذا التصور، فكان ذلك مولدا جديدا للإنسان أعظم في حقيقته من المولد الذي كانت به نشأته، لقد أنشأ هذا القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود والحياة والقيم، والنظم، كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا، كان يعز على خيالها تصوره مجرد تصور، قبل أن ينشئه لها القرآن إنشاء.
نعم! لقد كان هذا الواقع من النظافة والجمال، والعظمة والارتفاع، والبساطة واليسر، والواقعية الإيجابية، والتوازن والتناسق، بحيث لا يخطر للبشرية على بال لولا أن الله أراده لها، وحققه في حياتها في ظلال القرآن، ومنهح القرآن، وشريعة القرآن. ثم وقعت تلك النكبة القاصمة ونحي الإسلام عن القيادة، نحي عنها لتتولاها الجاهلية مرة أخرى، في صورة من صورها الكثيرة، صورة التفكير المادي الذي تتعاجب به البشرية اليوم، كما يتعاجب الأطفال بالثوب المبرقش، واللعبة الزاهية الألوان!».
وهذه الأسس الفكرية لتفسير في "ظلال القرآن" يمكن إرجاعها جميعا إلى أصل واحد وهو الحاكمية، والعبودية المطلقة لله رب العالمين، وسيد قطب - رحمه الله - لم يصرح بذلك في تفسيره. ولكننا نستخلصه من قوله إن القيم الإيمانية والقوانين الطبيعية، كلها من سنن الله تعالى، وأن الشريعة التي ارتضاها الحق سبحانه لعباده، ما هي إلا جزء من القانون الكلي في الكون، ومن ثم يصبح إعلان الحاكمية والعبودية لله وحده وسيلة وغاية. فبها تتحقق السعادة، وإدراكها هو السعادة، حيث يكون الإنسان منسجما مع نفسه، ومع اخيه الإنسان، ومع الكون من حوله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:20 pm

الأسس المنهجية لتفسير " في ظلال القرآن" لسيد قطب.
هناك جملة أسس منهجية يقوم عليها تفسير "في ظلال القرآن" والقصد منها أن تكون عملية التفسير عملية علمية منضبطة بقواعد منهجية صارمة لا تخرج عنها، والملاحظ أن المنهج ليس مفروضا على السورة بصورة تعسفية، بل إنه يستمد من السورة ذاتها، أو بمعنى آخر إن السورة هي التي تفرض منهج التعامل معها، وهذا يرجع إلى سببين :
أولاهما : أن سيد قطب رحمه الله يؤمن بأن لكل سورة من سور القرآن الكريم شخصيتها المتميزة التي تجعلها مغايرة لباقي السور، وإن كان هناك تشابه ظاهري بينها جميعا، وقد صرح بذلك في أكثر من موضع من تفسيره، من ذلك ما جاء في تفسيره لسورة الأعراف: « إن كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة، وذات ملامح متميزة، وذات منهج خاص، وذات أسلوب معين، وذات مجال متخصص في علاج هذا الموضوع الواحد، وهذه القضية الكبيرة، إنها كلها تتجمع على الموضوع والغاية، ثم تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة وطرائقها المتميزة، ومجالها المتخصص في علاج هذا الموضوع، وتحقيق هذه الغاية.
إن الشأن في سور القرآن من هذه الوجهة كالشأن في نماذج البشر، التي جعلها الله متميزة .. كلهم إنسان، وكلهم له خصائص الإنسانية، وكلهم له التكوين العضوي والوظيفي الإنساني، ولكنهم بعد ذلك نماذج منوعة أشد التنويع، نماذج فيها الأشباه القريبة الملامح، وفيها الأغيار التي لا تجمعها إلا الخصائص الإنسانية العامة. وهكذا عدت أتصور سور القرآن، وهكذا عدت أحسها، وهكذا عدت أتعامل معها، بعد طول الصحبة، وطول الألفة، وطول التعامل مع كل منها وفق طباعه واتجاهاته، وملامحه وسماته، وأنا أجد في سور القرآن تبعا لهذا وفرة بسبب تنوع النماذج، وأنسا بسبب التعامل الشخصي الوثيق، ومتاعا بسب اختلاف الملامح والطباع والاتجاهات والمطالع».
ولما كان لكل سورة شخصيتها المتميزة، فإنه يتعذر على المفسر أن يفرض عليها كلها منهجا واحدا، لأن ذلك يهدر هذه الخاصية ويتجاهلها.
وثانيهما : ان سيد قطب، قبل أن يكون مفسرا كان أديبا وناقدا، ومن ثم كان واعيا بأن عملية تحليل النصوص - لكي تكون مثمرة وإيجابية -لابد أن تنطلق من النص ذاته لا من خارجه، ولابد أن يكون مقصدها هو قول النص والترجمة عنه ومحاولة للكشف عن بنائه الفني، ثم في الأخير الربط بينهما ليحصل الإلمام التام بمعاني وتعابير وأساليب النص، وإدماج القارئ في أجوائه ليعيشها لأنه بذلك يكون أكثر وعيا بدقائق المعاني، وأكثر إحساسا بجماليات الأسلوب والتعبير، وهكذا تنطلق عملية التحليل من النص لتقوله معنى ومبنى، وتنتهي بإدماج القارئ في أجواء النص ليعيشه.
إذا أتينا إلى تفسير "في ظلال القرآن" نجد أن هذه الخلفية المنهجية كانت تسيطر على سيد قطب وهو يباشر عملية التفسير، بل إننا سنجدها أكثر إلحاحا عليه لأنه - كداعية إلى الله - كان يهدف إلى أن يقرب الناس من الخطاب القرآني كخطوة اولى، تتلوها الخطوة الثانية وهي الاندماج فيه، بحيث يحس تاليه أنه يعيش في الأجواء التي كان ينزل فيها القرآن، فيعي معانيه، ويتذوق جماله الفني، ويحس في النهاية انه المخاطب والمعني به، وأنه حجة له أو عليه. وليس هذا شيئا استخلصناه من دراستنا لتفسير سيد قطب - رحمه الله - بل هي حقيقة عبر عنها بكل وضوح، حين قال : « وهذه السورة - شأنها شأن سورة الأنعام من قبلها - من بين هذه النصوص التي لا أكاد أجرؤ على مسها بتفسير أو إيضاح، ولكن ماذا أصنع ونحن في جيل لابد أن يقدم له القرآن مع الكثير من الإيضاح لطبيعته ولمنهجه، ولموضوعه كذلك، ووجهته، بعد أن ابتعد الناس عن الجو الذي تنزل فيه القرآن، وعن الاهتمامات والأهداف التي تنزل لها. وبعد ما انماعت وذبلت في حسهم وتصورهم مدلولاته، وأبعاها الحقيقية وبعد ما انحرفت في حسهم مصطلحاته عن معانيها، وهم يعيشون في جاهلية كالتي نزل القرآن ليواجهها، بينما هم لا يتحركون بهذا القرآن في مواجهة الجاهلية كما كان الذين تنزل عليهم القرآن أول مرة يتحركون، وبدون هذه الحركة لم يعد الناس يدركون من أسرار هذا القرآن شيئا، فهذا القرآن لا يدرك أسراره قاعد، ولا يعلم مدلولاته إلا إنسان يؤمن به ويتحرك به في وجه الجاهلية لتحقيق مدلوله ووجهته، ومع هذا كله يصيبني رهبة ورعشة كلما تصديت للترجمة عن هذا القرآن. إن إيقاع هذا القرآن المباشر في حسي محال أن أترجمه في ألفاظي وتعبيراتي، ومن ثم أحس دائما بالفجوة الهائلة بين ما استشعره منه، وما أترجمه للناس، في هذه الظلال... إنني لأهيب بقراء هذه الظلال أن لا تكون هي هدفهم من الكتاب، إنما يقرؤونها ليدنوا من القرآن ذاته، ثم ليتناولوه عند ذلك في حقيقته ويطرحوا عنهم هذه الظلال».
وبذلك تكون عملية التفسير متميزة عن عملية تحليل النصوص عند سيد قطب - رحمه الله- وإن كانتا تشتركان في بعض المراحل مثل قول النص ثم إدماج القارئ فيه، لأنها عملية هادفة، فهي لا تقف عند حد الفهم والتأثر، بل تتجاوزه إلى الحركة والانطلاق والعمل والبناء والتعمير، وتحقيق مفهوم الاستخلاف بمعناه الشامل، في حين نجد عملية تحليل النصوص تهدف - في الغالب - إلى تحقيق المتاع الفني، وقلما دفعت إلى الحركة والانطلاق والعمل.
ويمكننا إجمال الأسس المنهجية لتفسير " في ظلال القرآن" في الأسس التالية:
1. الانطلاق من القرآن والاعتماد عليه في استخلاص التصور الإسلامي وإخلاء الذهن من كل مقررات مسبقة.
2. نسقية السورة القرآنية.
3. الدراسة الإجمالية للسورة القرآنية.
4. الدراسة التفصيلية للسورة القرآنية.
5. الدراسة الموضوعية.
6. الثنائيات الضدية، او أسلوب المقابلة.

1- الانطلاق من القرآن والاعتماد عليه في استخلاص التصور الإسلامي وإخلاء الذهن من كل مقررات مسبقة.

هذا الأساس المنهجي التزمه سيد قطب - رحمه الله - في تفسيره، بل إنه قد نص عليه صراحة عند انتقاده للمنحى العقلاني في التفسير، الذي سارت عليه مدرسة المنار، وذلك بقوله : « إن هنالك قاعدة مأمونة في مواجهة النصوص القرآنية، لعل هنا مكان تقريرها، إنه لا يجوز لنا أن نواجه النصوص القرآنية بمقررات عقلية سابقة، لا مقررات عامة، ولا مقررات في الموضوع الذي تعالجه النصوص، بل ينبغي ان نواجه هذه النصوص لنتلقى منها مقرراتنا، فمنها نتلقى مقرراتها الإيمانية، ومنها نكون قواعد منطقنا، وتصوراتنا جميعا، فإذا قررت لنا أمرا فهو المقرر كما قررته، ذلك أن ما نسميه "العقل" و- نريد أن نحاكم إليه مقررات القرآن عن الأحداث الكونية والتاريخية، والإنسانية، والغيبية- هو إفراز واقعنا البشري المحدود، وتجاربنا البشرية المحدودة، وهذا العقل وإن يكن في ذاته قوة مطلقة لا تتقيد بمفردات التجارب والوقائع بل تسمو عليها إلى المعنى المجرد، وراء ذواتها، إلا أنه في النهاية محدود بحدود وجودنا البشري، وهذا الوجود لا يمثل المطلق كما هو عند الله، والقرآن صادر عن هذا المطلق فهو الذي يحكمنا، ومقرراته هي التي نستقي منها مقرراتنا العقلية ذاتها، ومن ثم لا يصلح أن يقال : إن مدلول هذا النص يصطدم مع العقل، فلابد من تأويله كما يرد كثيرا في مقررات أصحاب هذه المدرسة، وليس معنى هذا هو الاستسلام للخرافة، ولكن معناها ان العقل ليس هو الحكم في مقررات القرآن. ومتى كانت المدلولات التعبيرية مستقيمة واضحة فهي التي تقرر كيف تتلقاها عقولنا، وكيف تصوغ منها قواعد تصورها، ونطقها تجاه مدلولاتها، وتجاه الحقائق الكونية الأخرة»(1). وسيد قطب إذ يفعل ذلك إنما يطبق قاعدة أساسية من قواعد نظرية التفسير عند أهل السنة التي تنص على أن يكون القرآن إماما يقتدي وأميرا يتبع، وعلى إعطاء النص القرآني مكان الصدارة، ومعنى ذلك أنه كان يحاول إبعاد تفسيره عن السقوط في مطب التفسير على المذهب .
وهناك مقصد آخر من الارتباط بالنص وهو محاولة الالتحام به كأساس للتأمل والتدبر، واستلهام الهداية، وسيد قطب إذ ينحو ذلك المنحى إنما يطبق أصلا من أصول نظرية أهل السنة في التفسير والذي نص عليه الإمام الزركشي ( 745/ 794هـ) في "البرهام": « أصل الوقوف على معاني القرآن التدبر والتفكر، واعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة، وفي قلبه بدعة أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كبر أو هوى، أو حب الدنيا، أو يكون غير متحقق الإيمان، أو ضعيف التحقيق، أو معتمدا على قول مفسر ليس عنده إلا علم بظاهر، أو يكون راجعا إلى معقوله، وهذه كلها حجب وموانع، وبعضها آكد من بعض..» .
ومن ثم فإن سيد قطب في تفسيره قد تجنب مواجهة القرآن الكريم بمقررات عقلية، أو أن يجعل سبيله إلى إدراك معانيه، واستلهام هدايته المصادر والمراجع المتنوعة المعارف، وهذا لا يعني أنه لم يعتمد أي مرجع سواء في التفسير أم السنة، و السيرة و التاريخ، و الفكر الإسلامي الحديث، و العلوم الطبيعية، بل إننا نجد في "الظلال" طائفة من المصادر والمراجع العلمية التي استعان بها في تفسيره، وسنقف على اقتباسات مطولة من بعض الكتب التي تأثر سيد قطب بفكر أصحابها، عندما سنتحدث عن مصادر ومراجع " في ظلال القرآن" في الفصول القادمة.
وهناك مقصد ثالث من اعتماد سيد قطب في تفسيره للقرآن الكريم على القرآن أساسا، وهو أن يجعل عملية التفسير تحقق أهداف القرآن، ألا وهي « إنشاء أمة، وإقامة دولة، وتنظيم مجتمع على أساس من عقيدة خاصة، وتصور معين، وبناء جديد، الأصل فيه إفراد الله - سبحانه- بالألوهية والربوبية، والقوامة والسلطان، وتلقي منهج الحياة وشريعتها ونظامها وموازينها وقيمها منه وحده بلا شريك».
وهذا كله لا يمكن تحقيقه إلا بالالتحام بالنص القرآني، والصدور عنه، والبعد عن كل ما يمكن أن يحجب هدايته وإرشاده.
ولعل أول من رفع شعار الالتحام بالخطاب القرآني، في العصر الحديث هو الأستاذ أبو الأعلى المودودي - الذي تأثر به سيد قطب كثيرا - والذي يقول في رسالة بعنوان "مبادئ أساسية لفهم القرآن" :
« يجب - كخطوة أولى- على كل من يريد فهم القرآن سواء آمن به أو لم يؤمن أن يخلي ذهنه ما أمكن من جميع ما استقر فيه من قبل من التصورات، والنظريات، ويطهره من سائر ما يكنه من الرغبات الموالية أو المناوئة، ثم يكب على دراسته بقلب مفتوح، وأذن واعية، وقصد نزيه لفهمه، أما الذين يدرسونه واضعين طائفة من التصورات في أذهانهم مقدما، فما يقرءون بين دفتيه إلا تصورات أنفسهم. ولا يجدون شيئا من رائحة القرآن، ولا يصلح هذا المنهج لدراسة أي كتاب من الكتب، فكيف بالقرآن، الذي لا يفتح كنوز معانيه أبدا للذين يدرسونه باتباع مثل هذا المنهج». ولعل سيد قطب متأثر في الأسس المنهجية التي وضعها لتفسيره بما كتبه أبو الأعلى المودودي، في هذه الرسالة، وسيتأكد لنا ذلك عند الحديث عن الأسس المنهجية الخاصة بالدراسة الإجمالية، والتفصيلية، والموضوعية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:21 pm

منهج سيد قطب في التفسير : الدراسة الإجمالية للسورة.
الدراسة الإجمالية للسورة القرآنية
سورة البقرة نموذجا.

نقصد بالدراسة الإجمالية أو التفسير الإجمالي للسورة القرآنية الكريمة، تلك الدراسة المجملة التي يقدم بها سيد قطب لتفسيره لكل سورة من سور القرآن الكريم، ويخصصها عادة للتعريف المجمل بالسورة، وخصائصها وملامحها، والظروف والملابسات التي واكبت نزول آياتها، مع توضيح أهدافها ومقاصدها، وخصائصها الأسلوبية أو التشريعية، كما يطلع فيها القارئ على مضمون السورة، ويحاول أن يجمع شتات موضعاتها في محور واحد أو محاور محدودة حسب طبيعة كل سورة من سور القرآن الكريم.
وإذا أخذنا سورة البقرة نموذجا فإننا سنجد سيد قطب قد قدم لتفسيرها بمقدمة مستفيضة عن الظروف والملابسات التي واكبت نزول آياتها، موضحا أهدافها ومقاصدها، وأسلوبها العام، ومتحدثا عن موضوعاتها الرئيسية. وبصفة عامة يمكننا ان نجمل الموضوعات أو الأفكار التي تضمنتها هذه المقدمة في ما يلي :
1- أسباب نزول سورة البقرة
سورة البقرة سورة مدنية، والسور المدنية الطوال كانت آياتها تنزل متفرقة، بل قد تنزل آيات سورة أخرى ولما تكتمل الأولى وأسباب نزول سورة البقرة يفضل سيد تسميتها بملابسات النزول، لأنها تجعلنا نضع أيدينا على الظرف التاريخي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي الذي صاحب نزول آيات السورة، في حين نجد أسباب النزول تقتصر على ذكر الحادث المباشر لنزول السورة أو الآية، ولا غرو في ان ذلك سبب جزئي لا يشمل كل الملابسات المحيطة بالآية أو السورة.
والحديث عن الملابسات التي نزلت آيات السور القرآنية لمواجهتها ذو أهمية كبيرة في التفسير إذ يمدنا بمفتاح أو مفاتيح السورة لننفذ إلى أعماقها، ونتفهم جزئياتها دون محاولة فرض معان خارجة عنها، فلا نقولها ما لا تتضمنه، ولا نتعسف في استخراج معان لا تقصد إليها، أو لا تشير إليها بتاتا.
والملابسات التي نزلت سورة البقرة لمواجهتها لا زالت قائمة إلى الآن وهذا هو السر الذي يجعل القرآن الكريم دستور المسلمين في الحياة، لأنه صادر عن العليم الخبير الذي يعلم سلفا علما يقينا حقيقة أمر هذا الإنسان ونفسيته، وتطور الحياة من حوله، ومن ثم فهو - سبحانه وتعالى- عندما يتحدث عن هذا الإنسان يتحدث عنه في شموليته وفي كل أبعاده، وانطلاقا من فطرته وجبلته وهذه الملابسات لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الزمن لأنها « في عمومها هي الملابسات التي ظلت الدعوة الإسلامية وأصحابها يواجهونها - مع اختلاف يسير - على مر العصور، وكر الدهور، من أعدائها وأوليائها على السواء. مما يجعل هذه التوجيهات القرآنية هي دستور هذه الدعوة الخالد، ويبث في هذه النصوص حياة تتجدد لمواجهة كل عصور وكل طور. ويرفعها معالم للطريق أمام الأمة المسلمة تهتدي بها في طريقها الطويل الشاق بين العداوات المتعددة المظاهر، المتوحدة الطبيعة، وهذا هو الإعجاز يتبدى جانب من جوانبه في هذه السمة الثابتة المميزة في كل نص قرآني(1). وقد فصل سيد قطب القول في الملابسات المحيطة والمواكبة لنزول سورة البقرة، ويمكن إجمالها في ما يلي:
أ - هجرة الرسول:
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ من مكة إلى المدينة فرضتها ظروف نشر الدعوة « وجعلتها إجراء ضروريا لسير هذه الدعوة في الخط المرسوم الذي قدره الله لها بتدبيره، كان موقف قريش عنيدا من الدعوة في مكة - وبخاصة بعد وفاة خديجة -رضي الله عنها- وموت أبي طالب كافل النبي وحاميه، كان هذا الموقف قد انتهى إلى تجميد الدعوة في مكة تقريبا وما حولها، ومع استمرار دخول أفراد في الإسلام على الرغم من جميع الاضطهادات والتدبيرات فإن الدعوة كانت تعتبر قد تجمدت فعلا في مكة وما حولها بموقف قريش منها، وتحالفهم على حربها بشتى الوسائل، مما جعل بقية العرب تقف موقف التحرز، والانتظار في ارتقاب نتيجة المعركة بين الرسول وعشيرته الأقربين، وعلى رأسهم أبو لهب، وعمرو بن هشام، وأبو سفيان بن حرب، وغيرهم ممن يمتون بصلة القرابة القوية لصاحب الدعوة. وما كان هناك ما يشجع العرب في بيئة قبلية لعلاقات القرابة عندها وزن كبير - على الدخول في عقيدة رجل تقف منه عشيرته هذا الموقف وبخاصة أن عشيرته هذه هي التي تقوم بسدانة الكعبة، وهي التي تمثل الناحية الدينية في الجزيرة ومن ثم كان بحث الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـعن قاعدة أخرى غير مكة، قاعدة تحمي هذه العقيدة، وتكفل لها الحرية، ويتاح لها فيها أن
تخلص من هذا التجميد الذي انتهت إليه في مكة حيث تظفر بحرية الدعوة وبحماية المعتنقين لها من الاضطهاد والفتنة، وهذا في تقديري كان هو السبب الأول والأهم للهجرة»(1).
ومن ثم فقد كانت هجرة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ إلى المدينة بقصد توفير الجو المناسب لاستمرار الدعوة ونموها وانتشارها.
* الهجرة إلى المدينة مسبوقة بالهجرة إلى الحبشة، ولم يكن ذلك فرارا من اضطهاد الكفار للمسلمين في مكة، ذلك أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا من ذوي العصبيات الذين لا يخشون شيئا على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، في حين أن من بقي بمكة هم الضعفاء الذين لا يجدون من يحميهم. ومن ثم يكون لهذه الهجرة أسباب أخرى على الفرار من الاضطهاد، وهذه الأسباب حصرها سيد قطب في عاملين رئيسيين:
1- هز الشعور القبلي لدى الكفار، بفراق أبنائهم، وبناتهم لهم، وفي ذلك ما يوحي بعجزهم عن حمايتهم، وهذا يؤثر في العربي الجاهلي الذي يعيش في وسط قبلي تسيطر عليه علاقة الدم : « وربما كان وراء هذه الهجرة أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة في قريش، وأبناؤها الكرام المكرمون يهاجرون بعقيدتهم فرارا من الجاهلية، تاركين وراءهم كل وشائج القربى في بيئة قبلية تهزها هذه الهجرة على هذا النحو هزا عنيفا، وبخاصة حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة بنت أبي سفيان زعيم الجاهلية وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة، وصاحبها»(1) .
2- البحث عن قاعدة جديدة تسمح للدعوة بأن تستمر وتنتشر حيث كانت « الهجرة إلى الحبشة أحد الاتجاهات المتكررة في البحث عن قاعدة حرة، أو آمنة على الأقل للدعوة الجديدة وبخاصة حين نضيف إلى هذا الاستنتاج ما ورد عن إسلام نجاشي الحبشة، ذلك الإسلام الذي لم يمنعه من إشهاره نهائيا إلى ثورة البطارقة عليه كما ورد في روايات صحيحة»(1).
ولعل اتجاه الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ إلى الطائف ما هو إلا محاولة أخرى لإيجاد قاعدة حرة لانتشار الدعوة، ولكن أهل الطائف الظلمة الكفرة آذوا رسول الله، وأهانوه بأن سلطوا عليه سفهاءهم يسبونه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين. وفي هذه الحادثة ما يوضح أن الدعوة تحتاج إلى داعية جلد صابر محتسب، غير متعجل للنتائج، معلق الأمال على الله، لا ينازعه أدنى شك في نصر الله - سبحانه- لدعوته، وبيانه للحق وإزهاقه للباطل ولو بعد حين.
* بعد هذه الشدائد والأزمات، أتى الفرج من عند الله - سبحانه- فتح على رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ببيعة العقبة الأولى والثانية، وهي متصلة اتصالا وثيقا بالملابسات المواكبة للهجرة إلى المدينة « بعد ذلك فتح الله على الرسول وـ صلى الله عليه و سلم ـعلى الدعوة من حيث لا يحتسب، فكانت بيعة العقبة الأولى ثم بيعة العقبة الثانية وهما ذواتا صلة قوية بالموضوع الذي نعالجه في مقدمة هذه السورة وبالملابسات التي وجدت حول الدعوة في المدينة»(1) .
2- المحور المزدوج لسورة البقرة :
بعد ذلك يتحدث سيد قطب عن المحور المزدوج لسورة البقرة، فيحدد مكونات الخط الأول من خطى المحور. وكذلك يفعل بالنسبة للجانب الثاني. وفي النهاية يتحدث عن خاتمة السورة، ويلاحظ الترابط النسقي الموجود بين البداية والنهاية، وهو ترابط بديع جعل السورة رغم وفرة واختلاف موضوعاتها تشكل وحدة شاملة ومتكاملة، إنه الأسلوب الرباني الخالص الجمال، الفاتن الروعة، المحكم السبك، قد حاكها في أسلوب بياني مبدع ومعجز.
الخط الأول : موقف اليهود من الدعوة الإسلامية في المدينة، ومواجهتهم للرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ وصحبه، وتحالفهم مع الكفار والمنافقين ضد الدعوة قصد إجهاضها.
الخط الثاني : موقف الجماعة الإسلامية في أول نشأتها، وطرق إعدادها، وتكوينها لتحمل مسئولية تبليغ الدعوة ونشرها، ومسؤولية الخلافة في الأرض التي تخلى عنها بنو إسرائيل، كما أننا نواجه في السورة تحذيرا للجماعة الإسلامية من الآثام والمعاصي، والانحرافات التي حرمت بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم، شرف الخلافة في الأرض.
وقد أجمل سيد قطب الحديث عن هذا المحور المزدوج بقوله : « هذه السورة تضم عدة موضوعات ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد، مزدوج، يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا، فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها ـ صلى الله عليه و سلم ـ وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم ـ عليه السلام ـ صاحب الحنيفية الأولى وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين»(1).
ويمكننا أن نقف على موضوعات خطي المحور - الذي سيعني التفسير التفصيلي بتشريحها - قصد تجليتها وتوضيحها:
1- يتضمن الخط الأول العناصر الآتية :
أ- دعوة بني إسرائيل إلى الدخول في الإسلام.
ب- محاربة اليهود للإسلام، وعملهم على إجهاض دعوته.
ت- عملهم على تكفير المسلمين.
ث- إعلانهم العداوة لجبريل ـ عليه السلام ـ.
ج- عملهم على تشكيك الناس في صحة نبوة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ.
ح- مساندتهم للمنافقين.
خ- تذكير الله لهم بماضيهم المخزي، وبأفعالهم المشينة مع أنبياء ورسل الله -عليهم السلام-.
د- تيئيس الله للمسلمين من إيمان اليهود، لأنهم أشربوا الكفر في قلوبهم، وجبلوا على المكر والخداع، ومردوا على النفاق.
ذ- محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ هو الوارث الشرعي لتركة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهو على سنته وهديه هو وأتباعه قد نهضوا بالخلافة في الأرض على منهاج الله، وكان ذلك استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: « فوراثة إبراهيم قد انتهت-إذن- إلى محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـوالمؤمنين به بعد ما انحرف اليهود وبدلوا، ونكلوا عن حمل أمانة العقيدة، والخلافة في الأرض بمنهج الله، ونهض بهذا الأمر محمد والذين معه. وإن هذا كان استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يرفعان القواعد من البيت {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا منا سكنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}(1) »(2).
2- أما الخط الثاني من محور سورة البقرة فهو يتضمن المواضيع التالية :
I. تعيين القبلة التي تتجه إليها الجماعة المسلمة وهي البيت الحرام { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}(1) .
Ii. بيان المنهج الرباني لهذه الجماعة المسلمة، ومنهج التصور والعبادة، ومنهج السلوك والمعاملة : « وتبين - السورة- لها أن الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمـواتا بل أحـيـاء، وأن الإصابة
بالخوف والجوع، ونقص الأموال والانفس والثمرات ليس شرا يراد بها، إنما ابتلاء ينال الصابرون عليهم صلوات الله، ورحمته وهداه، وأن الشيطان يعد الناس الفقر، ويأمرهم بالفحشاء، والله يعدهم مغفرة وفضلا، وأن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، وتبين لهم بعض الحلال والحرام في المطاعم والمشارب، وتبين لهم حقيقة البر لا مظاهره وأشكاله، وتبين لهم أحكام القصاص في القتلى وأحكام الوصية وأحكام الصوم، وأحكام الجهاد، وأحكام الحج وأحكام الزواج والطلاق مع التوسع في دستور الأسرة بصفة خاصة، وأحكام الصدقة، وأحكام الربا، وأحكام الدين والتجارة»(2).
3- الخاتمة : وقد تعرض فيها سيد قطب للتصور الإيماني لدى الجماعة المسلمة كما ربط فيها بين مطلع السورة وختامها :« وفي النهاية نرى ختام السورة ينعطف عن افتتاحها، فيبين طبيعة التصور الإيماني، وإيمان الأمة المسلمة بالانبياء كلهم، وبالكتب كلها، وبالغيب وما وراءه، مع السمع والطاعة: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا : سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين}(1) .
ومن ثم يتناسق البدء والختام، وتتجمع موضوعات السورة بين صفتين من صفات المؤمنين، وخصائص الإيمان»(2) .
والتناسق الموجود بين الموضوعات والأفكار المتعددة والمتنوعة التي عالجتها سورة البقرة يقوم دليلا على أن الأسلوب الرباني متفرد ومتميز، وقبل هذا وذاك معجز في كل شيء، فأينما بحثت عن الإعجاز في القرآن تجده، وصدق الرحمن إذ قال في كتابه العزيز {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}(1) .
وتقسيم سيد قطب لهذه السورة إلى مقدمة ومحور مزدوج يمكننا من الوقوف على المعاني الأساسية للسورة وللموضوعات التي تطرقت إليها، كما يجعلنا نقف على نقطة هامة وهي أن جانبا من الإعجاز القرآني يتمثل في السمة الأساسية للتأليف والنظم في القرآن الكريم، وذلك ما اصطلحنا على تسميته بالتصور النسقي للسورة القرآنية، وهذا يحملنا على القول بفكرة التناسق وشمولية الدعوة الإسلامية، فالإسلام دعوة للناس كافة، والإعجاز لكي يكون حقيقيا يجب أن يكون في شيء يجيده الإنسان. فإذا قلنا إن إعجاز القرآن يرجع -فقط- إلى لغته وبلاغته العربية فإنه لن يكون معجزا إلا للعرب دون غيرهم، أما إذا قلنا إن النص القرآني معجز بطريقة تأليفه بين الموضوعات والفكر فإنه يكون معجزا لكل البشر، على أساس أن الإعجاز يكمن في طريقة التأليف لا في اللغة، وقد تحدى الله سبحانه الإنس والجن أن يأتوا بمثله من حيث التناسق والانسجام، ومن هنا يمكننا الربط بين شمولية الإسلام، وشمولية إعجازه للعالمين بلا استثناء فنحن نتحدى -اليوم- إنسانا يدعى القدرة على كتابة رسالة أو كتاب متضمن لعدة أفكار أو موضوعات متعددة ومتنوعة مبنى ومعنى، فيجمع بينها في أسلوب منطقي يجعل كل هذه الموضوعات تشكل وحدة نسقية تدخل هذه الموضوعات والأفكار في حوار مع بعضها، كما هو الشأن بالنسبة للخطاب القرآني، حيث نجد الآيات يفضى بعضها إلى بعض وكانها تتحاور فيما بينها في تناغم وانسجام مشكلة بذلك نسقا متكاملا غير قابل للزيادة أو النقصان، بل هو الكمال ذاته، لأن ما صدر عن الكامل يتعين أن يكون كاملا. وصدق الله تعالى إذ قال في الذكر الحكيم { كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}(1).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:22 pm

منهج سيد قطب في التفسير : الدراسة التفصيلية للسورة، و التفسير الموضوعي.
الدراسة التفصيلية أو التفسير التفصيلي للسورة القرآنية
القسم الأول من تفسير سورة البقرة نموذجا:

1- المقصود بالدراسة التفصيلية أو التفسير التفصيلي هو الطريقة التي يفسر بها سيد قطب الآيات المكونة للسورة، فهو - بعد أن يفرغ من الدراسة الإجمالية للسورة - لا ينكب مباشرة- كغيره من المفسرين- على تفسير آيات السورة التي يعنى بتفسيرها، وإنما له طريقة خاصة، ومنهج خاص، يمكننا أن نوضحه في الخطوات المنهجية التالية :
أ- يعمد سيد قطب في التفسير التفصيلي إلى تقسيم السورة إلى مقاطع أو دروس مكونة لفكرة شاملة ومتكاملة، وهو يورد نص المقطع قبل مباشرة تفسيره.
ب- يحاول وضع يد القارئ على مفتاح المقطع أو الدرس بأن يطلعه على فكرة المحورية التي يعالجها، والأفكار الثانوية المكونة له، وقد يستطرد إلى مناقشة بعض القضايا العقدية أو الاجتماعية أو الأدبية، وبذلك فهو يتردد بين النزعة الأدبية الهدائية.
ت- بعد ذلك يشرع في تفسير الآيات المكونة للمقطع آية آية. فيورد نص الآية، ويعقبها بفكرتها الرئيسية ثم يحللها إلى أفكار ثانوية، ثم يعرض بعد ذلك لكل فكرة وموضوع على حدة.
ث- بعد أن يفرغ من تحليل آية من الآيات المكونة للمقطع تفصيليا - ويمكننا أن نصطلح عليه بالتفسير التشريحي- يعمل على تجميع هذا الشتات ليكون منه فكرة رئيسية متكاملة، هادفة، تكون بمثابة العبرة أو الموعظة المستخلصة أو الدرس المحصل من تفسير الآية الكريمة.
2- القسم الأول من تفسير سورة البقرة نموذجا : ويتكون هذا القسم من ستة مقاطع، وكل مقطع يتكون من جملة بنيات، وكل بنية تتكون من عدد من العناصر. وهذا عرض مفصل لمحتويات كل مقطع من مقاطع القسم الأول من تفسير سورة البقرة:
أ- المقطع الأول :
1. سرد الآيات المكونة للمقطع، وهي من الآية الأولى إلى الآية 29، ويعتبره سيد قطب افتتاحا للسورة الكبيرة، وهو يقدم لهذا المقطع بمقدمة صغيرة يبين فيها بعض جوانب إعجاز القرآن الكريم.
تقسيم المقطع إلى بنيات وهي عبارة عن عدد من الآيات، وعدد بنياته بنيتان :
* البنية الأولى وتشغل من ص 38 إلى 46 وهي تتكون من مجموعة عناصر هي :
* حقيقة القرآن.
* صفة المتقين.
* صفة الكافرين.
* صفة المنافقين.
وسيد قطب يربط بين هذه البنية والبنية التي تتلوها، والمكونة من جملة آيات تبتدئ بقوله تعالى { يا أيها الناس اعبدوا ربكم}(1). فيبين أن هذه الدعوة إلى عبادة الله موجهة إلى كل الناس ليختاروا الصورة المثلى من بين الصور الثلاث السابقة وهي صورة المتقين. وهذا يوضح انه كان على وعي بالوحدة النسقية للسورة القرآنية، وإن لم يصرح بذلك، وسنبين أنه لم يكن يسميها وحدة موضوعية ولا وحدة عضوية، وإنما سماكها وحدة متماسكة.
* البنية الثانية للمقطع الأول وهي تشغل من ص 46 إلى ص 54، وهي الاخرى تتضمن مجموعة عناصر وهي :
- الدعوة العامة إلى عبادة الله تعالى.
- تحدي منكري نبوة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالإتيان بسورة واحدة مشابهة لسورة القرآن الكريم.
- مشهد الجنة، ومشهد النار.
- الحديث عن الأمثال التي يضربها الله تعالى في القرآن.
ويختم قطب المقطع بخاتمة قصيرة ، يقول فيها : « وهكذا تنتهي الجولة الأولى في السورة، وكلها تركيز على الإيمان، والدعوة إلى اختيار موكب المؤمنين المتقين»(1).
وهذه الخاتمة عبارة عن خلاصة للمقطع يمكن أن يخرج بها القارئ بعد التفسير التفصيلي للسورة.

ب- المقطع الثاني :
1. سرد الآيات المكونة للمقطع وهي تبدأ من الآية 30 إلى الآية 39.
2. مقدمة المقطع : وهي تتضمن حديثا عن طبيعة وأهداف القصص القرآنية ويرد فيها على من يدعون أن هناك تكرارا في هذا القصص، وأن أحداثه ليست واقعية وإنما هي مختلفة أو معدل فيها، وأن المقصود بها مجرد المتاع الفني. ثم يتحدث عن طبيعة الأنبياء في القرآن الكريم ليخلص إلى الحديث عن السياق والجو العام الذي وردت فيه قصة آدم عليه السلام ليوضح تناسقها وتناغمها مع السياق.
3. وهذا المقطع ليس كغيره من المقاطع الأخرى، فهو لا ينقسم إلى بنيات لأنه لحمة واحدة، فهو من أوله إلى آخره يتناول قصة آدم عليه السلام ومن ثم فهو عبارة عن بنية واحدة مقسمة إلى مجموعة من العناصر هي :
 آدم عليه السلام هو خليفة الله في الأرض.
 الملائكة تعرف أن هذا المخلوق الجديد سيفسد في الأرض.
 الله وهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات.
 سجود الملائكة لآدم عليه السلام.
 استكبار إبليس عن السجود لآدم عليه السلام .
 عصيان آدم عليه السلام لربه بأكله من الشجرة .
 نزول آدم وإبليس - لعنه الله- إلى الأرض.
 توبة الله تعالى على آدم عليه السلام .
وبعد ذلك يستطرد سيد قطب إلى الحديث عن الإيحاءات والتصورات والحقائق المستخلصة من قصة آدم عليه السلام . ويمكننا ان نجملها في ما يلي:
 آدم عليه السلام مخلوق ابتداء لعمارة الأرض، وقد ابتلي بالأكل من الشجرة تربية له، وإعدادا له لمواجهة الغواية، وتذوق سوء العاقبة ومعرفة عدوه، والالتجاء بعد ذلك كله إلى الله تعالى.
 استأثر الله تعالى بمعرفة الغيب، والعقل البشري ليس في موسوعه معرفته أو الاطلاع عليه.
 الإنسان هو سيد هذه الأرض، ودوره فيها هو الدور الأول.
 إرادة الإنسان هي مناط العهد مع الله تعالى، وهي مناط التكليف والجزاء.
 الإنسان هو نفسه ميدان المعركة بين عهد الله وغواية الشيطان، بين الإيمان والكفر، بين الحق والباطل.
 الخطيئة فردية والتوبة هي الأخرى فردية.
ويختم المقطع بخاتمة قصيرة يوضح فيها أن قصة آدم عليه السلام تضمنت ثروة « من الحقائق والتصورات القويمة، وثروة من الإيحاءات والتوجيهات الكريمة، وثروة من الأسس التي يقوم عليها تصور اجتماعي وأوضاع اجتماعية، يحكمها الخلق والخير والفضيلة، ومن هذا الطرف نستطيع أن ندرك أهمية القصص القرآنية في تركيز قواعد للتصور الإسلامي، وإيضاح القيم التي يرتكز عليها، وهي القيم التي تليق بعالم صادر عن الله، متجه إلى الله، صائر إلى الله في نهاية المطاف، عقد الاستخلاف فيه قائم على تلقي الهدى من الله والتقيد بمنهجه في الحياة، ومفرق الطريق فيه أن يسمع الإنسان ويطيع ما يتلقاه من الله، أو أن يسمع الإنسان ويطيع لما يمليه عليه الشيطان، وليس هناك طريق ثالث إما لله وإما للشيطان، إما الهدى وإما الضلال، وإما الحق وإما الباطل، وإما الفلاح وإما الخسران، وهذه الحقيقة هي التي يعبر عنها القرآن كله، بوصفها الحقيقة الأولى، التي تقوم عليها سائر التصورات، وسائر الأوضاع في عالم الإنسان»(1).
ج- المقطع الثالث :
1. سرد الآيات المكونة للمقطع وهي من الآية 40 إلى الآية 74.
2. مقدمة المقطع وهي تتضمن الموضوعات التالية :
* محاربة اليهود للإسلام منذ أن هاجر الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ إلى المدينة.
* تذكير اليهود بنعم الله عليهم.
* حملة القرآن على اليهود. أسبابها وأهدافها.
* إعجاز القرآن يتمثل في التناسق الفني والنفسي في الأداء والأسلوب.
3. تقسيم المقطع إلى ثلاث بنيات :
- البنية الأولى وتشمل العناصر الآتية :
* اليهود تلقوا نعم الله تعالى عليهم بالكفر والجحود.
* دعوة بني إسرائيل إلى الوفاء بعهد الله عليهم.
* دعوتهم إلى الإيمان برسالة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ .
* نهى الله تعالى بني إسرائيل عن المتاجرة بدينه.
* دعوتهم إلى الاندماج في موكب الإيمان.
وبعد ذلك يستطرد سيد قطب إلى الحديث عن آفتين هما:
* آفة المتاجرة بالدين.
* آفة التفريق بين القول والفعل، وبين العقيدة والسلوك.
واما العنصر الأخير من عناصر البنية الأولى فيتعلق بدعوة اليهود خاصة، والناس عامة إلى الاستعادة بالصبر والصلاة، واليقين بلقاء الله تعالى :
- البنية الثانية : وتشمل العناصر التالية :
* تذكير بني إسرائيل بما أنعمه عليهم، وتخويفهم من يوم القيامة.
* قصة اتخاذ بني إسرائيل موسى ـ عليه السلام ـ برؤية الله تعالى جهرة.
* عصيانهم الله تعالى بدخولهم القرية الموعودة على غير الهيأة التي أمرهم الله بها.
* تيسير الله تعالى لبني إسرائيل الطعام في الصحراء، والظل في الهاجرة كما من عليهم بإفاضة الرى على يد موسى ـ عليه السلام ـ.
* ادعاء اليهود بأنهم هم وحدهم المهتدون.
* مواجهة القرآن الكريم اليهود بمظاهر النكث والنكسة، والتحلل من العهد والعجز عن الاستمساك به.
- البنية الثالثة : وهي تتضمن قصة البقرة التي أمر بنو إسرائيل بذبحها، ويقدم لها سيد قطب بمقدمة قصيرة جاء فيها : « وفي هذه القصة القصيرة - كما يعرضها السياق القرآني مجال للنظر في جوانب شتى، جانب دلالتها على طبيعة بني إسرائيل وجبلتهم الموروثة، وجانب دلالتها على قدرة الخالق وحقيقة البحث، وطبيعة الموت والحياة، ثم جانب الأداء الفني في عرض القصة بدءا ونهاية واتساقا مع السياق»(1) .
ويشرع ذلك في التفسير التفصيلي لعناصر البنية :
* أمر الله تعالى بني إسرائيل بذبح البقرة.
* تلكؤ اليهود في ذلك، ومطالبتهم رسول الله موسى ـ عليه السلام ـ بزيادة التفصيل والبيان عن البقرة المراد ذبحها.
* إظهار الله الحق على لسان القتيل بعد ضربه ببعض البقرة المذبوحة.
ويستطرد بعد ذلك إلى الحديث عن جمال الأداء، وتناسقه مع السياق.
* قسوة قلوب بني إسرائيل.
د- المقطع الرابع :
1. سرد آيات المقطع وهي من الآية 75 إلى الآية 103.
2. مقدمة المقطع ، وتتضمن الموضوعات الآتية :
الربط بين هذا المقطع والمقطع السابق : « انقضى المقطع السابق في السورة في تذكير بني إسرائيل بأنعم الله عليهم، وجحودهم لهذا الإنعام المتواصل، وباستعراض مشاهد الإنعام والجحود، بعضها باختصار وبعضها بتطويل، وانتهى هذا الاستعراض بتقرير ما انتهت إليه قلوبهم في نهاية المطاف من قسوة وجفاف وجدب، أشد من قسوة الحجارة وجفافها وجدبها. فالآن يأخذ السياق في الاتجاه بالخطاب إلى الجماعة المسملة يحدثها عن بني إسرائيل، ويبصرنا بأساليبهم ورسائلهم في الكيد والفتنة، ويحذرنا كيدهم ومكرهم على ضوء تاريخيهم وجبلتهم، فلا تنخدع بأقوالهم ودعاويهم ورسائلهم الماكرة في الفتنة والتضليل، ويدل طول هذا الحديث وتنوع أساليبه على ضخامة ما كانت تلقاه الجماعة من الكيد المنصوب لها، والمرصود لدينا من أولئك اليهود»(1) .
• تحذير المسلمين من بني إسرائيل، وتبصيرهم بأساليبهم في الكيد والفتنة.
• تفنيد دعاوي بني إسرائيل.
3. تقسيم المقطع إلى بنيات أربع وهي :
* البنية الأولى وتتضمن العناصر الآتية :
• تيئيس المسلمين من إيمان اليهود.
• إظهار اليهود الإيمان نفاقا ورياء، وخداعا ومراوغة.
• اليهود فريقان: فريق أمي جاهل، وفريق اتخذ الدين خرفة يستغل بها الناس.
• أماني اليهود المتمثلة في أنهم ناجون من النار مهما فعلوا، وأنهم لن يمكثوا فيها إلا أياما معدودات أماني « لا تستقيم مع عدل الله - تعالى- ولا تتفق مع سنته، ولا تتمشى مع التصور الصحيح للعمل والجزاء»(1).
• الجزاء من جنس العمل، ووفق هذا العمل.
* البنية الثانية، وهذه عناصرها:
• نكول بني إسرائيل عن العهد والميثاق الذي أخذه الله عليهم.
• تناقض اليهود في العمل بحكم التوراة.
* البنية الثالثة وهي تتكون من عدد من العناصر :
• موقف بني بني إسرائيل تجاه النبوات، وتجاه الأنبياء.
• تيئيس اليهود للرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ وللمسلمين من دعوتهم، وحسدهم له على اختياره من قبل الله تعالى ليكون خاتم الأنبياء والرسل.
• اليهود يردون على الدعوة الموجهة إليهم للدخول في دين الإسلام باكتفائهم بالإيمان بما عندهم، فيجيبهم الحق سبحانه بأن ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ هو جزء مما عندهم، ويبطل دعواتهم تلك بأنهم قتلوا الأنبياء، واتخذوا العجل، وكل ذلك دليل قاطع على تركهم الإيمان بما عندهم. وبذلك بين الحق سبحانه أن دعاويهم باطلة، وأن المراد بها تبرير موقفهم من دعوة الإسلام، ونبي الإسلام.
• ادعاء اليهود بأنهم شعب الله المختار.
ويستطرد سيد قطب بعد ذلك إلى الحديث عن أسلوب التصوير والتشخيص الذي وظف في وصف موقف بني إسرائيل من الأنبياء، ومن رسالاتهم.
• حرص بني إسرائيل على الحياة كيفما كانت هذه الحياة.
• عداوة اليهود لجبريل ـ عليه السلام ـ وأن ذلك هو الذي يمنعهم من الإيمان برسالة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ .
• القرآن يتحداهم بأن جبريل ـ عليه السلام ـ لا يتنزل إلا بإذن الله تعالى.
• القرآن يصدق في عمومه ما سبقه من الكتب السماوية، فأساس دين الله واحد في جميع الكتب السماوية، وجميع الرسالات الإلهية.
* البنية الرابعة وتتضمن العناصر الآتية :
• تثبيت الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ على ما نزل عليه من الحق.
• علة كفر بني إسرائيل برسالة الإسلام هو الفسوق وانحراف الفطرة.
• التنديد باليهود.
• بنو إسرائيل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وآمنوا بأساطير غامضة، بعيدة عن الحق والواقع.
• القرآن ينفي عن سليمان ـ عليه السلام ـ أنه كان ساحرا، كما ينفي السحر من عند الله.
• ملكا بابل ما هما إلا فتنة وابتلاء لحكمة يعلمها الله تعالى
• القرآن يعتبر السحر وتعلمه واستخدامه كفرا.
• الأسباب لا تفعل فعلها، ولا تنشئ آثارها، وتحقق نتائجها إلا بإذن الله تعالى.
وفي آخر المقطع يستطرد سيد قطب إلى الحديث عن السحر، وهو نوع من التفسير الموضوعي.
هـ - المقطع الخامس :
1. سرد آيات المقطع، وهي من الآية 104 إلى الآية 123.
2. مقدمة المقطع أو الدرس وتتضمن المواضيع الآتية :
• تحذير المسلمين من كيد اليهود.
• اتخاذ اليهود من تحويل القبلة ذريعة للتشكيك في صحة الإسلام.
• الهدف الحقيقي لأهل الكتاب هو تحويل المسلمين عن دينهم.

3. تقسيم المقطع إلى بنيات :
* البنية الأولى وتضم العناصر التالية :
• نهى المسلمين عن قولهم : "راعنا" ودعوتهم إلى استبدالها بـ "انظرنا".
• حقد وحسد اليهود.
• حكمة نسخ بعض الأوامر والتكاليف.
• الهدف الحقيقي لليهود هو تحويل المسلمين عن دينهم.
• دعوة المسلمين إلى العفو والصفح عمن أساء إليهم.
* البنية الثانية وتنقسم إلى عدد من العناصر :
• ادعاء أهل الكتاب بأنهم وحدهم أهل الجنة.
• الجزاء مرتبط بالعمل.
• تبادل الاتهامات بين اليهود والنصارى ومشركي العرب.
* البنية الثالثة وتنقسم إلى العناصر الآتية :
• زعم الفرق الثلاث بأن الله تعالى قد اتخذ ولدا، تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا.
• تنزيه الله سبحانه عن اتخاذ الولد، وإيضاح العلاقة بين الخالق ومخلوقاته.
ويستطرد سيد قطب بعد ذلك إلى انتقاد الفلسفة وعلم الكلام اللذين وظفا العقل في غير مجاله، وفي غير ما هو مؤهل له، فكانت النتيجة التخبط والضلال(1) .
* النظرية الإسلامية تقوم أساسا على التفريق بين وجودين : وجود الخالق ووجود المخلوق.
وهنا ينتقد عقيدة الوجود، ويبين أن الوجود كله يشكل وحدة في صدوره عن الإرادة « الواحدة الخالقة، ووحدة ناموسه الذي يسير به، وحدة تكوينه وتناسقه، واتجاهه إلى ربه في عبادة وخشوع» .
• كل مخلوقات الله تعالى تدين له بالعبودية.
• سوء تصور مشركي العرب المتمثل في تحديهم الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن يكلمهم الله أو تأتيهم خارقة من الخوارق المادية، وهذا هو نفس ما طالبت به اليهود موسى ـ عليه السلام ـ .
* البنية الرابعة : ويقدم لها سيد قطب بمقدمة صغيرة يذكر فيها بمحتوى البنية السابقة، كنوع من الربط بين البنيات، ثم يورد موجز ما تتضمنه هذه البنية من أفكار: « وإذا انتهت مقولاتهم، وفندت أباطيلهم، وكشفت الدوافع الكامنة وراء أضاليلهم، يتجه الخطاب إلى رسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ يبين له وظيفته ويحدد له تبعاته، ويكشف له عن حقيقة المعركة بينه وبين اليهود والنصارى، وطبيعة الخلاف الذي لا حل له إلا بثمن لا يملكه، ولا يستطيعه! ولو أداه لتعرض لغضب الله مولاه وحاشاه»(1).
وتتكون هذه البنية من العناصر الآتية :
• تقرير صحة رسالة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ .
• وظيفة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ تبليغ الدعوة.
• حقيقة المعركة بين الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ واليهود والنصارى.
ويستطرد سيد قطب بعد ذلك إلى الحديث عن حقيقة المعركة بين المسلمين وأعدائهم من اليهود والنصارى والشيوعيين، فيوضح أنها معركة عقيدة، وأن أعداءهم قد أخفوا هذا الجانب، وتظاهروا بأنها معركة من أجل الأرض، أو الاقتصاد، أو السياسة، أو المراكز العسكرية، وذلك حتى يتقوا جيشان عقيدة المسلمين، التي تمثل قوتهم الحقيقية(2) .
• تحذير الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ من اتباع أهواء اليهود والنصارى والمشركين.
• التجرد من الهوى يقود إلى الإيمان.
و- المقطع السادس :
1. يستهله بمقدمة صغيرة تربط هذا المقطع بالمقطع السابق، ويقول فيها: « وبعد هذا التقرير الحاسم، الجازم ينتقل السياق بالخطاب إلى بني إسرائيل، كأنما ليهتف بهم الهتاف الأخير بعد هذه المجابهة وهذا الجدل الطويل، وبعد استعراض تاريخهم مع ربهم وأنبيائهم وبعد الالتفات عنهم إلى خطاب النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ وخطاب المؤمنين.. هنا يجيء الالتفات إليهم كأنه الدعوة الأخيرة، وهم على أبواب الإهمال الإغفال والتجريد النهائي من شرف الأمانة، أمانة العقيدة .. التي نيطت بهم من قديم.. هنا يكرر لهم الدعوة ذاتها التي وجهها إليهم في أول الجولة.. يا بني إسرائيل..»(1) .
2. سرد آيات المقطع، وهي من الآية 124 إلى الآية 141.
3. مقدمة المقطع، وتتضمن المواضيع الآتية :
- التمييز بين طبيعة وبناء المقاطع- أو كما يسميها سيد قطب القطاعات السابقة والمقطع الذي هو بصدد تفسيره : « في القطاعات التي مضت من هذه السورة كان الجدل مع أهل الكتاب، دائرا كله حول سيرة بني إسرائيل، ومواقفهم من أنبيائهم وشرائعهم، ومن مواثيقهم وعهودهم، ابتداء من عهد موسى ـ عليه السلامخ ـ إلى عهد محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ أكثره عن اليهود، وأقله عن النصارى، مع إشارات إلى المشركين عند السمات التي يلتقون فيها مع أهل الكتاب، أو يلتقي معه فيها أهل الكتاب.
فالآن يرجع السياق إلى مرحلة تاريخية أسبق من عهد موسى، يرجع إلى إبراهيم، وقصة إبراهيم - على النحو الذي تساق به في موضعها هذا - تؤدي دورها في السياق، كما أنها تؤدي دورا هاما في ما شجر بين اليهود والجماعة المسملة في المدينة من نزاع حاد متشعب الأطراف»(2).
• أهل الكتاب والقرشيون يرجعون أصولهم جميعا إلى إبراهيم ـ عليه السلام ـ.
• وحدة دين الله، واطراده على أيدي رسله جميعا.
• الإسلام هو الرسالة الأولى والاخيرة للبشرية جمعاء.
• كل هذه الأفكار والحقائق عالجها القرآن الكريم في نسق من
العرض والأداء، والتعبير.
4. بنيات المقطع السادس :
* البنية الأولى وتضم العناصر الآتية :
• وفاء إبراهيم ـ عليه السلام ـ بالتزاماته.
• إمامة إبراهيم ـ عليه السلام ـ للناس .
• الإمامة لا تكون إلا لمن يستحقها بالعمل والشعور، وبالصلاح والإيمان.
• الإمامة محظورة على الظالمين.
• البيت الحرام مثابة ومصلى للناس، وهو ذاته أمن وأمان، وطمأنينة وسلام.
• دعوة سيدنا إبراهيم لربه.
• تنفيذ سيدنا إبراهيم، وسيدنا إسماعيل لأمر الله تعالى، بإعداد البيت وتطهيره للعابدين.
• دعوة سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل لربهما.
ويحاول سيد قطب هنا أن يربط دعاءهما بالسياق الذي جــــــاء فيه: « وإذن فمن كان يربط ديانته بإبراهيم من اليهود والنصارى، ويدعى دعاواه العريضة في الهدى والجنة بسبب تلك الوراثة، ومن كان يربط نسبه بإسماعيل من قريش، فليسمع : إن إبراهيم حين طلب الوراثة لبنيه والإمامة قال له ربه { لا ينال عهدى الظالمين}(1).. ولما أن دعا هو لأهل البلد بالرزق والبركة خص بدعوته : { من آمن بالله واليوم الآخر}(2) .. وحين قام هو وإسماعيل بأمر ربهما في بناء البيت وتطهيره كانت دعوتهما : أن يكونا مسلمين له، وأن يجعل الله من ذريتهما أمة مسلمة، وأن يبعث في أهل بيته رسولا منهم، فاستجاب الله لهما، وأرسل من أهل البيت محمد بن عبد الله، وحقق على يديه الأمة المسلمة القائمة بأمر الوراثة لدين الله...»(3) .
• الإسلام الخالص الصريح هو مله إبراهيم ـ عليه السلام ـ .
• وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام لأبنائهما بعبادة الله وحده.
• هناك فرق كبير بين الأمة التي خلت، والجيل الذي كانت تواجهه الدعوة.
* البنية الثانية وتتضمن العناصر الآتية :
• مقدمة صغيرة يحاول أن يبين فيها موقع هذه البنية من سياق المقطع وسياق السورة ككل : « في ظل هذا البيان التاريخي الحاسم لقصة العهد مع إبراهيم، وقصة البيت الحرام كعبة المسلمين. ولحقيقة الوراثة وحقيقة الدين، يناقش من ادعاءات أهل الكتاب المعاصرين ويعرض لحججهم وجدلهم ومحالهم، فيبدو هذا كله ضعيفا شاحبا، كما يبدو فيه العنت والادعاء بلا دليل: كذلك تبدو العقيدة الإسلامية عقيدة طبيعية شاملة لا ينحرف عنها إلا المتعنتون»(1) .
• دعوة القرآن الكريم كلا من اليهود والنصارى ومشركي العرب إلى الرجوع إلى ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ .
• الدين واحد من لدن إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلى محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ.
• دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بالدين الواحد.
• عقيدة التوحيد هي الهدى .
• حض المسلم على الاعتزاز بدينه.
ثم يبين سيد قطب سمة من سمات التعبير القرآني فيقول : «ونقف هنا عند سمة من سمات التعبير القرآني ذات الدلالة العميقة. إن صدر هذه الآية من كلام الله التقريري {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغه}(2) أما باقيها فهو من كلام المؤمنين، يلحقه السياق - بلا فاصل - بكلام البارئ سبحانه في السياق، وكله قرآن منزل، ولكن الشطر الأول حكاية عن قول الله، والشطر الثاني حكاية عن قول المؤمنين، وهو تشريف عظيم أن يلحق كلام المؤمنين بكلام الله في سياق واحد، بحكم الصلة الوثيقة بينهم وبين ربهم، وبحكم الاستقامة الواصلة بينه وبينهم، وأمثال هذا في القرآن كثير، وهو ذو مغزى كبير»(3) .

• لا مجال للجدل في وحدانية الله وربويته.
• رد دعوى اليهود والنصارى بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط عليهم السلام كانوا يهودا أو نصارى، وذلك بإيضاح أنهم سابقون لليهودية والنصرانية وكانوا على الحنيفية. وأهل الكتاب يعلمون ذلك ويخفونه.
* خاتمة المقطع ويقول فيها : « وحين يصل السياق إلى هذه القمة في الإفحام، وإلى هذا الفصل في القضية، وإلى بيان ما بين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وبين اليهود والنصارى من مفارقة تامة في كل اتجاه، عندئذ يعيد الفاصلة التي ختم بها الحديث من قبل عن إبراهيم وذريته المسلمين :{تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعلمون}(1).
وهذا النموذج الذي قدمناه يمكن القول بأنه يمثل الدراسة التفصيلية، أو التفسير التفصيلي الذي يتناول به سيد قطب سور القرآن الكريم، كما أنه يبين تباين وتنوع الأساليب التعبيرية في تبليغ مضامين السورة، كما أنه يوقفنا على تشابك وتداخل موضوعات وأفكار السورة، وأن الرابط بينهما ليس رابطا منطقيا وإنما هو الأهداف والمقاصد. وكل ذلك يقوم دليلا ساطعا على الوحدة النسقية التي تنتظم السورة القرآنية الكريمة، وعلى وعي سيد قطب بذلك وعيا تاما.


5- الدراسة الموضوعية

والدراسة الموضوعية أو ما يصطلح عليه بالتفسير الموضوعي هو أساس منهجي تقوم عليه عملية التفسير عند سيد قطب - رحمه الله- وفيها يعنى بدراسة الموضوعات التي أشكل فهمها على الناس بفعل بعدهم عن مدارسة كتاب الله وسنة رسـوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أو هناك انحراف في فهمها وبحثها، إما عن قصد كما هو الأمر بالنسبة للمستشرقين والمستغربين، أو ما كان نتيجة لضغط الواقع المادي المهيمن على حياة المسلمين في العصر الحديث.
وهناك فرق بين الدراسة الموضوعية عند سيد قطب، وبين التفسير الموضوعي عند بقية المفسرين المحدثين، ذلك أنه قلما جمع كل الآيات التي تتناول موضوعا واحدا، وعالجها في إطار واحد، وإنما هو يتناول الموضوع المشكل أو التصور العقدي المحرف، أو الحكم الشرعي الذي ذهل الناس عنه، او أساؤوا فهمه، او تركوا العمل به، أو جهلوا كيفية تطبيقه أو التعامل بمقتضاه في الواقع المعاصر.
ويمكننا أن نمثل للدراسة الموضوعية، أو التفسير الموضوعي عند سيد قطب بالموضوعات التالية :
1. السحر ( ص 96).
2. الجهاد ( ص 186).
3. السلم ( ص 206/215).
4. دستور الأسرة المسلمة ( ص 234).
5. رسل الله تعالى ( ص 278/286).
6. الإسلام يقرر حرية العقيدة ( ص 293/296).
7. سر وحقيقة الحياة والموت ( ص 296).
8. الزكاة ( ص 367).
9. التصورات العقدية التي واجهها الإسلام، ( ص 365).
10. تنظيم الأسرة ( ص 648).
11. الإمامة ( 688).
12. الجهاد ضرورة من ضرورات الدعوة ( ص 740/843).
13. حقيقة العقل البشري ( ص 806/808).
14. عقيدة التوحيد ( ص 818/821).
15. الدعوة إلى الله ( ص 809).
16. التناحر بين الطوائف المسيحية ( ص 864).
17. البيئة الصالحة لتنفيذ الأحكام الشرعية ( ص 873).
18. النظام الإسلامي كل متكامل ( ص 882).
19. أفضلية شرع الله تعالى على سائر الشرائع ( ص 890).
20. الولاية لله ورسوله والمؤمنين ( ص 909).
21. الملائكة (ص1042).
22. رحمة الله بالعباد ( ص 1049).
23. القضاء والقدر ( ص 1065).
24. الغيب ( ويشغل حوالي 8 صفحات من ص 1114 إلى 1122).
25. الحياة على عهد الصحابة ( ص 1142).
26. العبادة ( ص 3386/3389).
27. اليسر ( ص 3889/3893).
28. الإيمان ( ص 3964).
29. الأمة الإسلامية ( ص 3967).
30. ضياع البشرية ( ص 3968).
31. الاستغفار ( ص3996).
وهذه الموضوعات يبدو عليها أثر الواقع الثقافي، سواء أكان هذا الواقع دينيا، أم فكريا، أم اجتماعيا، أم سياسيا، أم اقتصاديا، وهي بعد هذا وذاك تهدف إلى تحصين المسلم المعاصر ضد أي غزو ثقافي يمكن أن يتعرض له، وذلك بربطه بحقائق الدين المستخلصة من القرآن الكريم.
6- الثنائيات الضدية أو أسلوب المقابلة

أسلوب المقابلة أو الثنائيات الضدية، من الأسس المنهجية التي التزمها سيد قطب في تفسيره، وهذا الأسلوب يعمل على إبراز خاصية قرآنية، وهي المفاصلة على أساس العقيدة، المفاصلة بين الإيمان والكفر، وبين الحق والباطل، وبين أولياء الله وأولياء الشيطان. والأمثلة على ذلك كثيرة، وتعم كل التفسير، ولكننا سنقتصر على ذكر بعضها والإحالة على البعض الآخر.
1. يقول في تفسيره لسورة البقرة : « وفي مقابل ذلك المشهد المفزع يعرض المشهد المقابل، مشهد النعيم الذي ينتظر المؤمنين»(1) .
2. ويقول في تفسيره لنفس السورة : « ومفرق الطريق فيه أن يسمع الإنسان ويطيع لما يتلقاه من الله، أو أن يسمع الإنسان ويطيع لما يمليه عليه الشيطان، وليس هناك طريق ثالث، إما الله وإما الشيطان، إما الهدى وإما الضلال، إما الحق وإما الباطل، إما الفلاح وإما الخسران، وهذه الحقيقة هي التي يعبر عنها القرآن كله، بوصفها الحقيقة الأولى، التي تقوم عليها سائر التصورات، وسائر الأوضاع في عالم الإنسان»(2) .
3. وفي تفسيره لنفس السورة نجد النص التالي : « ونحن في مشهد إماتة وإحياء، قبض للروح وإطلاق ، فلما جاء ذكر الرزق كان التعبير { والله يقبض ويبسط}(1) .. متناسقا في الحركة مع قبض الروح وإطلاقها في إيجاز كذلك واختصار»(2) .
4. ويقول في تفسيره لسورة آل عمران : « وفي آية واحدة يجمع السياق القرآني أحب شهوات الأرض إلى نفس الإنسان : النساء والبنين والأموال المكدسة، والخيل والأرض المخصبة، والأنعام، وهي خلاصة للرغائب الأرضية، إما بذاتها وإما بما تستطيع أن توفره لأصحابها من لذائذ أخرى، وفي الآية التالية يعرض لذائذ أخرى في العالم الآخر، جنات تجري من تحتها الأنهار، وأزواج مطهرة، وفوقها رضوان من الله، وذلك كله لمن يمد ببصره إلى أبعد من لذائذ الأرض، ويصل قلبه إلى الله، على النحو الذي تعرضه آيتان تاليتان:
{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وأزواج مطهرة، ورضوان من الله، والله بصير بالعباد}(3) »(4) .
وهناك أمثلة كثيرة على أسلوب المقابلة في تفسير "في ظلال القرآن" نكتفي بالإشارة إليها في الهامش(1) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:23 pm

نسقية السورة القرآنية من خلال تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب
إن الدراسة النصية لتفسير " في ظلال القرآن" تكشف عن أساس منهجي التزمه سيد قطب في تفسير كل سور القرآن الكريم، مكيها ومدنيها، طويلها وقصيرها مع بعض التغييرات التي تفرضها طبيعة كل سورة من سور القرآن الكريم.
وهذا الأساس المنهجي هو ما يمكننا ان نصطلح عليه بالوحدة النسقية للسورة القرآنية، عوضا عن الوحدة الموضوعية والعضوية التي لا تفي بوصف حقيقة وواقع الخطاب القرآني كما أنها توحي بمشابهته للنصوص الأدبية والفكرية التي يبدعها أو يؤلفها البشر، ومعنى ذلك أنها لا تحفظ للنص قدسيته، وهي من كليات العقيدة الإسلامية.
ومن خلال دراستنا لتفسير " في ظلال القرآن" يمكننا ان نحدد معالم الوحدة النسقية للسورة القرآنية في ما يلي :
1- السورة القرآنية وهي: نسق كلي ومتكامل وهي تتكون من:
I. المقاطع: وهي تشكل وحدة تصورية، أو فكرة شمولية، أو مشهدا متكاملا حسب طبيعة النص القرآني.
II. البنيات: وهي عبارة عن أفكار ثانوية، أو لقطات من مشهد.
III. العناصر: وهي متضمنة لأساسيات المعنى وحاملة لكل جزئيات السورة القرآنية، ولكل صور المشهد.
و "في ظلال القرآن" هو في الواقع محاولة جادة لقول هذا التصور النسقي، فنجد سيد قطب يفسر السورة القرآنية الكريمة تفسيرا يبين عن تناسق وانسجام عناصرها ومكوناتها، من أجل ذلك فإنه يلتزم اتباع خطوات منهجية ثابتة في تفسير كل سور القرآن الكريم .

1- قسم سيد قطب تفسيره "في ظلال القرآن" إلى ثلاثين جزءا، يتناول في مجموعها كل سور القرآن الكريم، وذلك على الترتيب الذي جاءت به في المصحف العثماني.
2- وضع مقدمة عامة لتفسيره شغلت حوالي ثماني صفحات (من الصفحة 11 إلى الصفحة 18).
3. باشر تفسير سورة الفاتحة، وذلك دون أن يقدم للجزء الذي يعنى بتفسيره، مما يجعلنا نشعر أنه يعتبر المقدمة العامة وتفسير سورة الفاتحة مدخلا رئيسيا لتفسيره " في ظلال القرآن" إذ ضمنها الأسس الفكرية التي قام عليها هذا التفسير. ثم شرع بعد ذلك في تناول كل جزء من أجزاء القرآن الكريم على حدة.
4- يقدم للجزء الذي يعنى بتفسيره بمقدمة يستعرض فيها طبيعته وخصائصه، كما يحاول فيها أن يربط بينه وبين الجزء الذي سبقه، ونمثل لذلك بربطه بين الجزء الأول والجزء الثاني مـن سـورة الـبـقـرة : « ومن مراجعة هذا الجزء بالإضافة إلى الجزء الأول من السورة ندرك طبيعة المعركة التي كان يخوضها القرآن...»(1) .
5- يقسم سيد قطب الجزء إلى السور أو الآيات المكونة له إذا كانت السورة طويلة، وتشغل أكثر من جزء، نحو سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام.
6- السور أو الآيات المكونة للجزء تقسم إلى مقاطع، كل مقطع يتضمن مجموعة من الآيات تطول أو تقصر، والرابط بينها طبيعة الموضوع، أو ألأفكار أو الأحكام والتشريعات، أو التوجيهات والعبر والمواعظ، او المشاهد والظلال، أو الإطار القصصي، ومن ثم فإن كل مقطع يشكل وحدة تميزه عن المقطع الذي يسبقه والذي يليه، ويؤدي دورا لا غنى للسياق عنه، ولا يمكن لبناء السورة أن يستقيم بدونه، سواء من الناحية التصورية أو من الناحية الأسلوبية الجمالية.
7- يقدم للمقطع بمقدمة يتناول فيها أهم الأفكارأو الموضوعات أو التصورات أو التشريعات، أو العبر والمواعظ التي عرضها المقطع، كما أن مقدمة المقطع تكون عبارة عن جسر يصل بين المقاطع مما يجعل السورة تشكل وحدة نسقية.
والملاحظ أن هناك تنوعا في المصطلح الذي يستخدمه سيد قطب عند مباشرة عملية تفسير السور القرآنية. ففي بعض السور، خاصة المدنية، نجده يستخدم مصطلح : المقطع - القطاع - الدرس - المشهد، وفي بعض السور المكية نحو سورة الأنعام، والأعراف، والجزء الثلاثين من التفسير، نجد مصطلحات أخرى وهي : الموجة - الموجات - اللمسة - الجولة. وهذا التغير في المصطلح له دلالته، فهو ليس عملية اعتباطية، ولا ارتجالية، وإنما هو تعبير عن اختلاف الأسلوب العام للسور القرآنية، واختلاف طريقة معالجتها لموضوعها المحوري، مما يجعل كل واحدة من السور ذات شخصية متميزة، وهذا التمايز في الشخصية يفرض تمايزا آخر في الطريقة والمنهج الذي يستخدمه المفسر وهو يباشر عملية تفسير سور القرآن الكريم. وهذا حسب ظننا تطبيق لأساس منهجي أصيل نص عليه أهل السنة عندما وضعوا منهجهم ونظريتهم لتفسير القرآن الكريم، وهو الذي اصطلحوا عليه "بمطابقة المفسر" ومعناه كما أثبته الإمام السيوطي (849هـ / 911هـ) في كتابه "الإتقان" : «أن يتحرز في ذلك من نقص عما يحتاج إليه إيضاح المعنى أو زيادة لا تليق بالغرض، ومن كون المفسر فيه زيغ عن المعنى، وعدول عن طريقه، وعليه بمراعاة المعنى الحقيقي، ومراعاة التأليف والغرض الذي سبق الكلام، وأن يؤاخى بين المفردات.»(1).
8- والمقطع: ينقسم إلى بنيات، وهذه البنيات هي عبارة عن جملة آيات تعالج قضية واحدة، أو تعرض مشهدا واحدا متكاملا، وهي ذاتها يقدم لها بمقدمة صغيرة يذكر فيها بمحتوى البنية السابقة كنوع من الربط بين بنيات المقطع. ثم بورد موجز ما تضمنته البنية من أفكار وموضوعات، وقد يعالج خصيصة من خصائص الأسلوب القرآني تكون بارزة في الآيات الكريمة المشكلة للبنية التي ينصب عليها التفسير. وبهذه الطريقة تبدو البنية وكأنها وحدة مستقلة، وهي كذلك كما لا يمكن للسياق أن يستغني عنها، ولكنها مع ذلك لا تكتسب قيمتها الدلالية إلا بارتباطها بباقي البنيات المكونة للمقطع. ومن ثم فإن البنية ضرورية للسياق، وهي أيضا محتاجة إليه لأنها تأتي ملتحمة به التحاما وثيقا لا فكاك لها عنه. وقد كان سيد قطب يعي ذلك، ويعبر عنه في بعض الأحيان، من ذلك ما قاله عند تفسيره لقوله تعالى :
( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة:196) .
« وأول ما يلاحظ في بناء الآية هو تلك الدقة التعبيرية في معرض التشريع، وتقسيم الفقرات في الآية لتستقل ببيان الحكم الذي تستهدفه، ومجيء الاستدراكات على كل حكم قبل الانتقال إلى الحكم التالي، ثم ربط هذا كله في النهاية بالتقوى ومخافة الله»(1) .
ونستخلص من هذا النص أن سيد قطب كان على وعي تام بأن الآية تشكل وحدة متكاملة وهي تنقسم إلى فقرات وهي التي اصطلحنا على تسميتها بعناصر البنية، وهي حاملة لأساس المعنى. فمضمونها يكون عبارة عن فكرة واحدة، أو حكم واحد، أو لقطة واحدة من مشهد، وهذا يعني أن السورة القرآنية الكريمة تشكل وحدة متكاملة وهي ما أسميناه بالوحدة النسقية تمييزا لها عن الوحدة الموضوعية أو العضوية التي لا تنطبق على القرآن الكريم، لأنها تجعله مشابها لكلام البشر. والمقاطع أيضا تشكل وحدة ترتبط في ما بينها مكونة السورة القرآنية.
9- العناصر: وهي أصغر وحدة تفسيرية، ويتكون كل عنصر من آية صغيرة أو جزء من آية، ويكون متضمنا أساس معنى النص القرآني، وهو يشكل في العادة فكرة، أو موعظة، أو حكما فقهيا، إن كان يتعلق بمقطع أو قطاع أو درس - على اختلاف اصطلاحات سيد قطب. بينما تشكل لقطة أو صورة إن كان الأمر يتعلق بمشهد من مشاهد القرآن الكريم، وهذه العناصر في مجموعها تكون بنية، ومجموع البنيات تكون مقطعا، ومجموع المقاطع تكون سورة، ومجموع السور تشكل القرآن الكريم، فالسور تتناول موضوعات متعددة ومتنوعة، ولكنها متلاحمة ومتناسقة بحيث تشكل وحدة شاملة، والرابط « بينها جميعا هو هذا الهدف الأصيل الذي جاء القرآن كله لتحقيقه، إنشاء أمة، وإقامة دولة، وتنظيم مجتمع على أساس من عقيدة خاصة، وتصور معين، وبناء جديد، الأصل فيه إفراد الله - سبحانه - بالألوهية والربوبية، والقوامة والسلطان، وتلقي منهج الحياة، وشريعتها، ونظامها، وموازينها، وقيمها منه وحده بلا شريك»(1).
هكذا تناول سيد قطب القرآن الكريم في تفسيره بإيمان صادق، وعقلية متفتحة، وفكر شمولي، ومنهج مدروس نابع من القرآن، ويترجم عن القرآن، ويهدف إلى إدماج المسلم المعاصر في أجوائه ليفهمه ويستوعبه ويعيشه، ويتحرك به.
10- عملية التفسير عند سيد قطب تأخذ بعدها المنهجي عبر ثلاث مراحل أساسية :
أ- التجميع.
ب- التفصيل.
ح- إعادة التجميع.
وهذه الخطوات المنهجية الثلاث تتحكم في التفسير كله، وتطبق بدقة بالغة وبعناية فائقة، وبوعي وبعلم. بل إننا نجدها تطبق في كل مستويات التفسير، في الجزء، وفي السورة، وفي المقاطع، وفي البنيات، وفي العناصر، وتطبق بتناسب مع كل مستوى من مستويات التفسير، فالجزء تجد سيد قطب يبدأه بمقدمة قد تقصر أو تطول، أهم مضامينها التذكير بما ورد في الجزء السابق كنوع من الربط بين أجزاء التفسير، ثم ذكر مكونات الجزء، والحديث عن طبيعة وخصائص السور أو الآيات التي يتكون منها، كذلك الشأن بالنسبة للسورة فإنه يقدم لها بمقدمة يتناول فيها المحور الذي تدور عليه، وموضوعه أو موضوعاته التي تعالجها، كما أنه قد يشير إلى بعض جوانب الإعجاز فيها ويلمح إلى جمالية أسلوبها، وقد يناقش فيها مكية أو مدنية السورة، أو بعض آياتها، ويختار ما يراه صحيحا، كما يعرف فيها بالأجواء العامة التي نزلت فيها السورة، والظروف والملابسات التي واكبت نزولها. ومن ثم فإن مقدمة السورة تعتبر تعريفا بها وبخصائصها وبملامحها، وغالبا ما يختم سيد قطب تفسيره بخاتمة قصيرة يربط فيها بين أولها وآخرها، ويوضح فيها تناسق وتناغم الخاتمة مع الموضوع الأساسي أو المحاور الأساسية للسورة، وكل ذلك يقوم دليلا على وعيه التام والكامل بالوحدة النسقية للسورة القرآنية الكريمة.
واما المقاطع فإنه يقدم لها بمقدمة يعرض فيها أهم الأفكار والموضوعات التي تعالجها، وفي ختام كل مقطع -تقريبا- يورد خاتمة صغيرة هي عبارة عن خلاصة المقطع التي يمكن أن يخرج بها القارئ بعد التفسير التفصيلي أو التشريحي للمقطع. فعملية التفسير إذن تبدأ من الدراسة الإجمالية أو التفسير الإجمالي للسورة القرآنية الكريمة، لتنطلق إلى الدراسة التفصيلة أو الشرح أو التفسير التفصيلي، ثم في نهاية كل مقطع أو كل سورة أو كل جزء نجدنا نعود إلى عملية التجميع بحيث تشكل السورة نسقا متكاملا.
وهذه المكونات النسقية توجد بينها علاقات معجزة، فهي ليست وشائح منطقية ولا موضوعية، ولكنها شيء رباني عجيب ومعجز، بيان إلهي استطاع سيد قطب - بفتح من الله - الوقوف على عناصره ومكوناته.
والتصور النسقي للسورة القرآنية يمكننا من القيام بجولة ربانية في أجواء إيمانية عطرة، نستخلص منها الأمان والطمأنينة، والعظمة والاعتبار، ونستحضر فيها أنعم وآلاء ربنا - - على المخلوقات كلها، وعلى الإنسان خاصة، ونقف من خلالها على أهمية الإنسان في هذا الكون، وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ألا وهي مسئولية الخلافة والاستخلاف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:24 pm

مصادر ومراجع تفسير " في ظلال القرآن" لسيد قطب .
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة:32)
هناك جملة من المصادر والمراجع التي اعتمدها سيد قطب في تفسيره " في ظلال القرآن"، وهي نوعان :
1- مصادر تفسيرية أصيلة.
2- مصادر ومراجع حديثة.
وهذه الأخيرة تنقسم إلى مصادر ومراجع لكتاب وعلماء ومفكرين مسلمين، وأخرى لكتاب ومفكرين وعلماء فرنجة، وسنحاول في هذا المبحث تحديد هذه المصادر والمراجع وبيان طريقة تعامل سيد قطب معها، وكيفية توظيفها في تفسيره.
1- مصادر التفسير الأصيلة :
أولا : القرآن الكريم :
عمد سيد قطب إلى تفسير القرآن بالقرآن في كثير من المواضع، وخاصة منها ما يشكل فهمه على المسلم المعاصر، أو ما يكتنفه شيء من الغموض، أو عدم اتضاح الرؤية نتيجة البعد عن العيش في رحاب القرآن، و الجهل بخصائص ومقومات التصور الإسلامي، و الغزو الثقافي الذي يتعرض إليه في كل وقت وحين . ويتضح لنا أن توظيف هذا المصدر التفسيري الأصيل، والاستعانة به في تجلية معاني الذكر الحكيم، تنم عن معرفة دقيقة بخاصية من أهم خواص القرآن الكريم و المتمثلة في وحدته النسقية ، ومن ثم فإن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا . ويمكننا ان نضرب عدة أمثلة عن تفسير القرآن بالقرآن :
1- يبين سيد قطب أن إبليس المذكور في قصة آدم في سورة البقرة، لم يكن من الملائكة، وذلك اعتمادا على نص قرآني آخر «ويوحي السياق أن إبليس لم يكن من جنس الملائكة، إنما كان معهم، فلو كان منهم ما عصى، وصفتهم الأولى أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون(1) .. والاستثناء هنا لا يدل على انه من جنسهم فكونه معهم يجيز هذا الاستثناء كما تقول : جاء بنو فلان إلا أحمد، وليس منهم إنما هو عشيرهم، وإبليس من الجن بنص القرآن، والله خلق الجان من مارج من نار، وهذا يقطع بأنه ليس من الملائكة»(2) .
2- وقد نجد سيد قطب يفسر القرآن بالقرآن من غير ذكر الآية أو الآيات، وإنما يذكر معناها، من ذلك ما جاء في تفسير لقوله تعالى في سورة البقرة يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم(3) ، فأي عهد هذا الذي يشار إليه في هذا المقام؟ أهو العهد الأول، عهد الله لآدم فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبا بآياتنا اولئك أصحاب النار هم فيها خالدون(4) ..؟ أم هو العهد الكوني السابق على عهد الله هذا مع آدم. العهد المعقود بين فطرة الإنسان وبارئه.. أن يعرفه ويعبده وحده لا شريك له، وهو العهد الذي لايحتاج إلى بيان، ولا يحتاج إلى برهان، لأن فطرة الإنسان بذاتها تتجه إليه بأشواقها اللدنية، ولا يصدها عنه إلا الغواية والانحراف؟ أم هو العهد الخاص الذي قطعه الله لإبراهيم جد إسرائيل، والذي سيجيء في سياق السورة وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماما، قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين(1) ...؟ أم هو العهد الخاص الذي قطعه الله على بني إسرائيل وقد رفع فوقهم الطور، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة، والذي سيأتي ذكره في هذه الجولة؟»(2) .
فالعهد الكوني الذي يشير إليه سيد قطب ـ ـ هو المتمثل في قوله سبحانه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) . (لأعراف:172) .
ومثل هذا كثيرا ما يرد في تفسير "في ظلال القرآن" نحو تفسيره لقوله تعالى فحسبه جهنم ولبئس المهاد(3) . «حسبه؟ ففيها الكفاية؟ جهنم التي وقودها الناس والحجارة. جهنم التي يكبكب فيها الغاوون، وجنود إبليس أجمعون، جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة، جهنم التي لا تبقي ولا تذر، جهنم التي تكاد تميز من الغيظ! حسبه جهنم ولبئس المهاد ويا لسخرية القاصمة في ذكر "المهاد" هنا ... ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء»(4) .
3-ويقول سيد قطب مفسرا قوله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم(1) مبينا طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، وبين الزوج وزوجه: « وفي هذا التعبير الدقيق ما فيه من إشارات إلى طبيعة تلك العلاقة في هذا الجانب، وإلى اهدافها واتجاهاتها، نعم، إن هذا الجانب لا يستغرق سائر العلاقات بين الزوج وزوجه، وقد جاء وصفها وذكرها في مواضع أخرى مناسبة للسياق في تلك المواضع، كقوله تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن(2) .. وقوله ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة(3) فكل من هذه التعبيرات يصور جانبا من جوانب تلك العلاقة العميقة الكبيرة في موضعه المناسب، أما مناسبة السياق هنا فيتسق معها التعبير بالحرث، لأنها مناسبة إخصاب وتوالد ونماء. وما دام حرثا فأتوه بالطريقة التي تشاؤون، ولكن في موضع الإخصاب يحقق غاية الحرث..فأتوا حرثكم أني شئتم(4) »(5) .
4-ويفسر قوله تعالى لا إكراه في الدين(5) في ضوء قوله في موضع آخر من الذكر الحكيم، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوك، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم(6) . فيقول :« وهذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام.. وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم وحقيقة تاريخهم فلا يقف بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع، إنما يقفون به دائما موقف المطمئن الواثق، المستعلى على تصورات الأرض جميعا، وعلى نظم الأرض جميعا، وعلى مذاهب الأرض جميعا.. ولا ينخدعون بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله، والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي، والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به، والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه، ويحول بينهما وبينه، فهذا هو أعدى أعداء البشرية، الذي ينبغي أن تطارده البشرية لو رشدت وعقلت، وإلى أن ترشد البشرية وتعقل، يجب أن يطارده المؤمنون الذين اختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان فذلك واجبهم لأنفسهم، وللبشرية كلها، وهم مطالبون بهذا الواجب امام الله..»(1) .
5- ويبين سيد قطب حقيقة من حقائق التصور الإسلامي، وهي رد كل شيء إلى المشيئة المطلقة التي لا تتعارض مع إرادة الإنسان، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا(2) « هذه الحكمة يؤتيها الله من يشاء من عباده، فهي معقودة بمشيئة الله سبحانه، هذه هي القاعدة الأساسية في التصور الإسلامي: رد كل شيء إلى المشيئة المطلقة المختارة، وفي الوقت ذاته يقر القرآن حقيقة أخرى، أن من أراد الهداية وسعى لها سعيها، وجاهد فيها، فإن الله لا يحرمه منها، بل يعينه عليها والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين(1) ليطمئن كل من يتجه إلى هدى الله أن مشيئة الله ستقسم له الهدى، وتؤتيه الحكمة، وتمنحه ذلك الخير الكثير»(2) .
6- ويفسر سيد قطب قوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكرم وأولئك هم المفلحون(3) في ضوء قوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلاليطاع بإذن الله(4) . وذلك ليبيين وظيفة الأمة المسلمة في هذه الحياة، وكيف أن أمر الدعوة إلى الله تعالى لا يستقيم إلا في ظل سلطة مسلمة: « فلا بد من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، والذي يقرر أنه لابد من سلطة هو مدلول النص القرآني، ذاته، فهناك "دعوة" إلى الخير، ولكن هناك "أمر" بالمعروف وهناك "نهي" عن المنكر، وإذا أمكن أن يقوم بالدعوة غير ذي سلطان فإن "الأمر" و"النهي" لا يقوم بهما إلا ذو سلطان هذا هو تصور الإسلام للمسألة. إنه لابد من سلطة تأمر وتنهي...»(5).
7-ويقول مفسرا قوله تعالى والله لا يحب الظالمين(6) : «والظلم كثيرا ما يذكر في القرآن ويراد به الشرك، بوصفه أظلم الظلم وأقبحه، وفي القرآن إن الشرك لظلم عظيم(1) ..»(2) .
8- ويوضح أن الإسلام يبيح تعدد الزوجات، ويشرع هذا المبدأ، و أنه لا تعارض بيـن آيات الذكر الحكيم، فـفي تفـسـيره للآية فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة(3) : « والعدل المطلوب هو العدل في المعاملة، والنفقة، والمعاشرة، والمباشرة، أما العدل في مشاعر القلوب،وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بني إسرائيل، لأنه خارج عن إرادة الإنسان وهو العدل الذي قال الله عنه في الآية الأخرى في هذه السورة ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالملعقة(4) هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذوا منها دليلا على تحريم التعدد والأمر ليس كذلك، وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع الامر في آية وتحرمه في آية بهذه الصورة، التي تعطي باليمين، وتسلب بالشمال، فالعدل المطلوب في الآية الأولى، والذي يتعين عدم التعدد إذا خيق ألا يتحقق هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة، وسائر الأوضاع الظاهرة، بحيث لا ينقص إحدا الزوجات شيء منها»(5) .
9-وفي معرض تفسيره لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم، فإن شهدوا، فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكم فآدوهما، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما، إن الله كان توابا رحيما(1) ، يورد آيات اخرى من سورة "المؤمنون" وسورة "الإسراء" تضمنت نهيا عن الزنا من غير أن تسن عقوبات زاجرة ورادعة لمرتكبيه. ويستخلص من ذلك أن الإسلام دين واقعي، يقيم نظامه على أساس العقيدة، ويقيم دينه على أساس السلطة والتشريع حيث « تبدو في هذه الأحكام عناية المنهج الإسلامي بتطهير المجتمع المسلم من الفاحشة. ولقد جاءت هذه العناية مبكرة : فالإسلام لم ينتظر حتى تكون له دولة في المدينة، وسلطة تقوم على شريعة الله، وتتولاها بالتنفيذ، فقد ورد النهي عن الزنا في سورة "الإسراء" المكية : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا(2) ، كما ورد في سورة "المؤمنون" : قد أفلح المؤمنون الذين هو في صلاتهم خاشعون والذين هو لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين(3) . وكرر هذا القول في سورة "المعارج"(4) ، ولكن الإسلام لم تكن له في مكة دولة، ولم تكن له فيها سلطة، فلم يسن العقوبات لهذه الجريمة التي نهى عنها في مكة إلا حين استقامت له الدولة والسلطة في المدينة، ولم يعتبر النواهي والتوجيهات وحدها كافية لمكافحة الجريمة، وصيانة المجتمع من التلوث ، لأن الإسلام دين واقعي يدرك أن النواهي والتوجيهات وحدها لا تكفي ، ويدرك أن الدين لا يقوم بدون دولة، وبدون سلطة، وأن الدين هو المنهج أو النظام الذي تقوم عليه حياة الناس وبلا تشريع، وبلا منهج محدد، ودستور معلوم»(1) .
10- ويفسر سيد قطب الآية الكريمة والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم(2) في ضوء قوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله(3) فيبين أن الحاكمية لله -تعالى- وحده، وألا شرعية لأي وضع أو عرف لا يستمد سلطانه من الله، فعندما « يحيل الفقه الإسلامي على "العرف" في بعض المسائل فهو يمنح العرف ابتداء سلطانا من عنده هو - بأمر الله- فتصبح للعرف - في هذه المسائل- قوة الشريعة استمدادا من سلطان الشارع -وهو الله- لا استمدادا من الناس، ومن البيئة التي تواضعت على هذا العرف من قبل، فليس تواضع البيئة على هذا العرف هو الذي يمنحه السلطان : كلا إنما الذي يمنحه السلطان هو اعتبار الشارع إياه مصدرا، في بعض المسائل وإلا بقي على بطلانه الأصلي، لأنه لم يستمد من أمر الله، وهو وحده مصدر السلطان، وهو يقول عما كانت الجاهلية تشرعه ما لم يأذن به الله : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله(1) ، فيشير إلى ان الله وحده هو الذي يشرع، فهل لهم آلهة شرعت ما لم يأذن به الله؟ هذا الأصل الكبير الذي تشير إليه هذه اللمسة: كتاب الله عليكم(2) تقرره وتؤكده النصوص القرآنية في كل مناسبات التشريع. فما من مرة ذكر القرآن تشريعا إلا أشار إلى المصدر الذي يجعل لهذا التشريع سلطانا، اما حين يشير إلى شرائع الجاهلية وعرفها وتصوراتها فهو يردفها غالبا بقوله ما أنزل الله بها من سلطان(3) لتحريرها من السلطان ابتداء، وبيان علة بطلانها، وهي كونها لم تصدر من ذلك المصدر الوحيد الصحيح».(4)
11- ويقول مفسرا قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود(5) إن « المقصود بالعقود هو كل ضوابط الحياة التي قررها الله، وفي اولها عقد الإيمان بالله، ومعرفة حقيقة ألوهية -سبحانه-، ومقتضى العبودية بألوهيته، هذا العقد الذي تنبثق منه وتقوم عليه سائر العقود، وسائر الضوابط في الحياة، وعقد الإيمان بالله، والاعتراف بألهوية وربوبيته، وقوامته ومقتضياته، هذا الاعتراف من العبودية الكاملة، والالتزام الشامل والطاعة المطلقة، والاستسلام العميق، هذا العقد أخذه الله ابتداء على آدم -- وهو يسلمه مقاليد الخلافة في الأرض بشرط وعقد هذا نصه القرآني قلنا اهبطوا منها جميعا، فإما يأتينكم مني هدى، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك أصحاب النار هم فيها خالدون(1) . فهي خلافة مشروطة باتباع هدى الله الذي ينزله في كتبه على رسله... ولقد تكرر هذا العقد - أو هذا العهد- مع ذرية آدم وهو بعد في ظهور آبائهم، كما ورد في السورة الأخرى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم. وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين او تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون(2) . فهذا عقد آخر مع كل فرد»(3) .
12- وقد يستعين ببعض آي الذكر الحكيم في تفسير آية يثير حولها أعداء الإسلام ـ من المستشرقين أو المستغربين - بعض الشبهات، من ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى ولتنذر أم القرى ومن حولها(4) :« وليس المقصود كما يتصيد أعداء الإسلام من المستشرقين، أن تقصر الدعوة على أهل مكة ومن حولها، فهم يقتطعون هذه الآية من القرآن كله، ليزعموا أن محمد  ما كان يقصد في أول الأمر أن يوجه دعوته إلا إلى أهل مكة وبعض المدن حولها، وانه إنما تحول من هذا المجال الضيق الذي ما كان خياله يطمح في أول الأمر إلى أوسع منه، فتوسع في الجزيرة كلها، ثم هم أن يتخطاها لمصادفات لم يكن في أول الامر على علم بها، وذلك بعد هجرته إلى المدينة وقيام دولته بها، وكذبوا .. في القرآن المكي، وفي اوائل الدعوة، قال الله سبحانه لرسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا(1) . ولعل الدعوة يومذاك كانت محصورة في شعاب مكة يحيط بها الكرب والابتلاء»(2) .
13- وقد يعمد سيد قطب إلى القرآن الكريم لترجيح قول من الأقوال، أو رأي من الآراء في تفسير آية قرآنية اختلف العلماء في تفسيرهان ومثال ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى في سورة النجم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم(3) بعد أن اورد كثيرا من الأحاديث المرفوعة والموقوفة: « ... عن أبي هريرة (أراه رفعه) في الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، قال : اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعودن واللمة من السرقة ثم يتوب ولا يعود، واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود، قال: فذلك الإلمام. وروى مثل هذا موقوفا على الحسن، فهذه طائفة أخرة من الأقوال تحدد معنى اللم تحديدا غير الأول.
والذي نراه أن هذا القول الأخير أكثر تناسبا من قوله تعالى بعد ذلك إن ربك واسع المغفرة. فذكر صحة المغفرة يناسب أن يكون اللمم هو الإتيان بتلك الكبائر والفواحش ثم التوبة، ويكون الاستثناء غير منقطع، ويكون الذين أحسنوا هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا أن يقعوا في شيء منها، ثم يعودوا سريعا ولا يلجوا ولا يصروا، كما قال سبحانه : والذين إذا فعلوا فاحشة وظلموا ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون(1) . وسمى هؤلاء "المتقين"، ووعدهم مغفرة وجنة عرضها السماوات والأرض، فهذا هو الأقرب إلى رحمة الله ومغفرته الواسعة»(2) .
14-وعند تفسيره لقوله تعالى في سورة نوح فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا(3) يورد جملة آيات من سور مختلفة تقيم الدليل القرآني القاطع على أن القيم الإيمانية لها آثار واقعية في الحياة البشرية المادية : « وقد ربط بين الاستغفار وهذه الأرزاق، وفي القرآن مواض متكررة فيها هذا الارتباط بين صلاح القلب واستقامتها على هدى الله وبين تيسير الأرزاق، وعموم الرخاء.. جاء في موضوع : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون(1) ، وجاء في موضع : ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم(2) . وجاء في موضع : ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير، وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى، ويؤت كل ذي فضل فضله.(3) . وهذه القاعدة التي يقررها القرآن في مواضع متفرقة قاعدة صحيحة تقوم على أسبابها من وعد الله، ومن سنة الحياة، كما أن الواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون. والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد وما من أمة قام فيها شرع الله، واتجهت اتجاها حقيقيا لله للعمل الصالح ، والاستغفار المنبئ عن خشية الله، ما من أمة اتقت الله وعبدته وأقامت شريعته، فحققت العدل والأمن للناس جميعا، إلا فاضت فيها الخيرات، ومكن الله لها في الأرض، واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء ...»(4) .
15- وقد يستعين بآية من آي الذكر الحكيم ليوضح أسلوبا من الأساليب التي درج القرآن الكريم على استعمالها : « والحقيقة الثالثة أن الإعراض عن ذكر الله، الذي قد تنتهي إليه فتنة الابتلاء بالرخاء، مؤد إلى عذاب الله، والنص يذكر صفة للعذاب يسلكه عذابا صعدا(1) .. توحي بالمشقة منذ كان الذييصعد في المرتفع يجد مشقة في التصعيد كلما تصعد، وقد درج القرآن على الرمز للمشقة بالتصعيد، فجاء في موضع : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يظله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء(2) . وجاء في موضع : سأرهقه صعودا(3) . وهي حقيقة مادية معروفة، والتقابل واضح بين الفتنة بالرخاء وبين العذاب الشاق عند الجزاء»(4) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:24 pm

تفسير القرآن بالسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الإخوة الأفاضل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

( قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة:32)

اعتمد سيد قطب في تفسيره على كثير من كتب الحديث والسنة الأصيلة، ومنها :
1- صحيح البخاري : واسمه ( الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وسنته وأيامه)، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، بن المغيرة بن برد ربه الجحفي (194هـ /256 هـ).
2- صحيح مسلم : واسمه ( الجامع الصحيح) لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (204/261هـ).
3- سنن أبي داود : للإمام سليمان بن الاشعث السجستاني
( 202هـ/275هـ).
4- سنن النسائي : للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (215هـ / 303هـ).
5- سنن الترمذي أو الجامع الصحيح : للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمـــــذي ( 209هـ/279هـ).
6- سنن ابن ماجة : للإمام أبي عبد الله بن يزيد القزويني بن ماجة (209/هـ 273هـ).
7- الموطأ : لأبي عبد الله مالك بن انس بن مالك بن أبي عامر (93هـ/179هـ).
8- المسند : للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشــــــــــيباني ( 164هـ/241هـ).
9- المستدرك على الصحيحين : للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (321هـ 3ذ405هـ).
10- صحيح ابن حبان : لأبي حاتم بن حبان البستي (355هـ).
11- سنن الدارقطني : لأبي الحسن على بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي (385هـ).
12- السنن الكبرى : للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهــــقي ( ت 458هـ).
13- المعجم الكبير والأوسط والصغير : لسليمان بن أحمد بن أيوب أبي القاسم اللخمي الشامي الطبراني (360هـ).
14- مسند أبي بكر البزاز : لأحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري البزاز (292هـ).
15- مسند الطيالسي : لسليمان بن داود الجاورد البصري الطيالسي (203هـ).
16- مسند أبي يعلى الموصلي : لأحمد بن علي بن المثنى التميمي أبي يعلى الموصلي (307هـ).
17- الجامع الصغير من حديث البشير النذير : للإمام أبي بكر جلال الدين السيوطي ( 849هـ / 911هـ).
18- علل الحديث : للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (240هـ / 327هـ).
19- مصابيح السنة : للإمام الحسين بن مسعود الفراء الشافعي زين الدين البغوي ( 516 هـ).
ويتضح من خلال هذه المجموعة الكبيرة من مصادر الحديث والسنة، أثر الواقع الثقافي في اختيارها وانتقائها، فهي كلها من المصادر العلمية المعتمدة في بابها، وجلها كتب صحيحة لا يتطرق إليها الضعف من أي جانب من الجوانب، فسيد قطب يريد أن يكون لدى المسلم المعاصر - من خلال تفسيره للقرآن الكريم- حصانة ومناعة فكرية إسلامية أصيلة، ضد أي غزو ثقافي يمكن أن يتعرض له، وذلك لا يتم إلا بتجليه مقومات وخصائص التصور الإسلامي، في العقيدة والشريعة، في العبادات والمعاملات، في الأخلاق والسلوك، في النفس والمجتمع، في السلم والحرب، في الشدة والرخاء، وحتى يكون هذا التصور صحيحا وسليما يتعين أن يستند إلى قواعد وأصول قوية، وصحيحة وسليمة، وليس هناك أقوى، ولا أسلم، ولا أعلم من الكتاب والسنة الصحيحة، ومن ثم كانت عملية توظيف السنة في تجلية معاني القرآن الكريم تحفظ لتفسير "في ظلال القرآن" سلفيته، وتسهم في الوقت ذاته في تشكيل عقل وفكر المسلم المعاصر.
منهج سيد قطب في إيراد الاحاديث :

اعتمد سيد قطب في تفسيره كثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة، وقد كانت له طريقة خاصة في إيراد الاحاديث تفصح عن مدى تأثير الواقع الثقافي في تفسيره، فهو لم يكن يستشهد بالاحاديث النبوية الشريفة عند تفسيره لكل آية من آي الذكر الحكيم، فقد نقرأ صفحات متعددة من تفسيره دون أن نجد حديثا واحدا، ولكننا نجده في بعض الأحيان يورد كثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة في تفسير آية واحدة، أو في موضع واحد، وقد تتجاوز في بعض الأحيان عشرة أحاديث وقد نتساءل عن السب الذي جعل سيد قطب يوظف الحديث في تفسيره للقرآن الكريم بهذه الطريقة؟
ونحن نعتقد أن مرد ذلك إلى تأثره بالواقع الثقافي، ويؤكد ذلك انه لم يستشهد بالأحاديث إلا عند تفسيره للآيات التي أشكل فهمها على الناس في العصر الحديث، أو التي أولت تأويلا محرفا ومغرضا، او عند تجليته لمقومات وخصائص التصور الإسلامي، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يعتقدها الناس، أو كمحاولة لإحياء فريضة من الفرائض التي غابت عن حياة المسلمين في العصر الحديث. وتتبع المواضع التي جمع فيها مجموعة كبيرة من الأحاديث كفيلة بان تؤكد ما ذهبنا إليه، وفي ما يلي بعض الامثلة على ذلك:
1- يورد صاحب "الظلال" الحديث الواحد أو جملة احاديث لبيان حكم شرعي يتعلق بالعبادات أو المعاملات، إما لأن الناس قد غفلوا عنه، وتركوا العمل به، أو لاختلاف العلماء فيه. ومثال ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى : فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر سورة البقرة، جزء من الآية 184. : فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى، وغاية هذه العبادة أي الصيام. خاصة هي التقوى... والله أعلم بتكامل هذا الدين، بين مواضع الترخص، ومواضع التشدد، وقد يكون وراء الرخصة في موضع من المصلحة ما لا يتحقق بدونها... ومن ثم أمر رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن يأخذ المسلمون برخص الله التي رخصها لهم ... والأولى على كل حال أن نأخذ الأمور بالصورة التي أرادها الله في هذا الدين، فهو أحكم منا وأعلم بما وراء رخصة وعزائمه من مصالح قريبة وبعيدة وهذا هو جماع القول في هذا المجال. بقي أن نثبت بعض ما روى من السنة في حالات متعددة من حالات السفر، في بعضها كان التوجيه إلى الفطر، وفي بعضها لم يقع نهي عن الصيام، وهي بمجموعها تساعد على تصور ما كان عليه السلف الصالح من إدراك للأمر، قبل أن تأخذ الاحكام شكل التقعيد الفقهي على أيدي الفقهاء المتأخرين، وصورة سلوك أولئك السلف -رضوان الله عليهم- أملأ بالحيوية وألصق بروح هذا الدين وطبيعته من البحوث الفقهية، ومن شأن الحياة معها، وفي جوها ان تنشأ في القلب مذاقا حيا لهذه العقيدة وخصائصها:
أ عن جابر -- قال : خرج رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ عام الفتح إلى المكة في رمضان، فصام حتى بلغ "كراع الغميم" فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ثم شرب، فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام، فقال : أولئك العصاة، أولئك العصاة. أخرجه مسلم والترمذي " صحيح مسلم، كتاب الصوم، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، ج3، ص 175 " .
ب وعن انس قال : كنا مع النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلا في يوم حار، أكثرنا ظلا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، فسقط الصوام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ذهب المفطرون اليوم بالأجر. أخرجه الشيخان والنسائي " صحيح مسلم، كتاب الصوم، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، جزء 3، ص 178، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الخدمة في الغزو ".
ج وعن جابر قال : كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ في سفر فرأى رجلا قد اجتمع عليه الناس، وقد ظلل عليه، فقال: ماله؟ فقالوا: رجل صائم. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ليس من البر الصوم في السفر. أخرجه مالك والشيخان، وأبو داوود والنســــائي " صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصوم في السفر » " في ظلال القرآن : مج4، ص 169/170 " .
ويستمر على هذه الشاكلة في سرد الأحاديث حتى يبلغ مجموع ما استشهد به في هذا الموضوع أحد عشر حديثا. " ويراجع أيضا الصفحات التالية من "الظلال": 198- 243/244 وقد استشهد هنا بخمسة أحاديث. 324 ( أربعة احاديث عن الربا) ".
2- وقد يستشهد بحديث، أو مجموعة أحاديث عند تفسيره لآية من آي الذكر الحكيم، ليوضح حكمة التشريع الإسلامي. ومثال ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى قل أنفقتم من خير فللوالدين، والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل " سورة البقرة، جزء من الآية 215 ": « وهو يربط بين طوائف من الناس بعضهم تربطه بالمنفق رابطة العصب، وبعضهم رابطة الرحم، وبعضهم رابطة الإنسانية الكبرى في إطار العقيدة، وكلهم يتجاورون في الآية الواحدة: الوالدون والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل، وكلهم يتضامنون في رباط التكافل الاجتماعي الوثيق بين بني الإنسان في إطار العقيدة المتين.. جاء في صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله ـ ـ قال لرجل ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا " صحيح مسلم، كتاب الزكاة. باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم الأهل ثم الأقارب. ج3، ص 35." ولقد علم الله أن الإنسان يحب ذاته فامره بكفايتها قبل ان يأمره بالإنفاق على من سواها، وأباح له الطيبات من الرزق وحثه على تمتيع ذاته بها في غير ترف ولا مخيلة، فالصدقة لا تبدأ إلا بعد الكفاية، والرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول " أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة، باب اليد العليا خير من اليد السفلى، ج3، ص 74. ويراجع سنن النسائي كتاب الزكاة باب الصدقة عن ظهر غني، ج5، ص 46 " . وعن جابر قال : جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما املك غيرها، فأعرض عنه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، فأتاه من قبل ركنه الأيسر فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من خلفه فقال مثل ذلك، فأخذها ـ صلى الله عليه و سلم ـ فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته، وقال : يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة، ثـم يقـعد يتكفف الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى " سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله، ج1، ص 389 » " في ظلال القرآن: مج1، ص 221/222 ".
3- يذكر سيد قطب الحديث أو الأحاديث ليوضح آثار التربية الإسلامية في الجيل الأول، وما أحدتثه في النفوس وفي المجتمع من تغييرات أفاضت على الامة الخير والفضيلة والسلام، ومثال ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعــالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون سورة آل عمران، جزء من الآية 161. حيث استشهد بالأحاديث التالية:
أ « روى الإمام أحمد حدثنا سفيان عن الزهرى، سمع عروة يقول: حدثنا أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ رجلا من الأزد يقال له ابن اللتيبة على الصدقة، فجاء فقال : هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ على المنبر فقال : ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول هذا لكم، وهذا أهدى إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته، وإن بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار، او شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال : اللهم هل بلغتك، ثلاثا وأخرجه الشيخان. " صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، ج4، ص 497. صحيح البخاري ، كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ".
ب وروى الإمام أحمد بإسناد، عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فذكر الغلول فعظمه، وعظم امره، ثم قال : لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول : يا رسول الله أغثني، فأقول : لا أملك له من الله شيئا، قد بلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة، فيقول : يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك أخرجه الشيخان من حديث أبي حيان " صحيح مسلم، كتاب الإمارة باب تحريم الغلول، ج4، ص 495. صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب الغلول".
ح وروى الإمام احمد بإسناده عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة، قال: فقام رجل من الانصار أسود - قال مجاهد هو سعد بن عبادة كأني انظر إليه- فقال : يا رسول الله أقبل مني عملك. قال وما ذاك، قال : سمعتك تقول: كذا وكذا، قال : وأنا أقول ذلك الآن، من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نهي عنه انتهى. رواه مسلم " صحيح مسلم، كتاب الإمارةن باب تحريم هدايا العمال، ج 4، ص 500 " . وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي رافع .
وقد عملت هذه الآية القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة عملها في تربية الجماعة المسلمة حتى أتت بالعجب العجاب... وقد كان الرجل من أفناء الناس من المسلمين يقع في يده الثمين من الغنيمة لا يراه أحد فيأتي به إلى أميره لا تحدثه نفس منه خشية ان ينطبق عليه النص القرآني المرهوب " في ظلال القرآن : مج1، ص 504/505/- ويراجع 550 أيضا " .
4- وقد يستعين بالحديث لبيان مناسبة النزول، وفضائل السور، ففي معرض تفسيره للآية الكريمة لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " سورة آل عمران ، آية 188 " يقول: « ورد في رواية للبخاري بإسناده عن ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ سأل اليهود عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه، وأنه نزلت آية: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا... الآية. وفي رواية أخرى للبخاري بإسناده عن أبي سعيد الخدري ان رجالا من المنافقين في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كانوا إذا خرج رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمعقدهم خلاف رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فإذا قدم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من الغزو اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت : فلا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا... الآية ») في ظلال القرآن : مج1، ص 541. ويراجع أيضا 3751-4006. والحديث أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب التفسير. باب سورة آل عمران، ج6، ص 51.
5- يذكر سيد قطب الحديث أو الأحاديث ليثبت وقوع معجزة من المعجزات التي ينكرها بعض الناس اليوم تحت تاثير التفكير المادي، وطغيان النزعة العقلانية ومثال ذلك ما جاء في تفسيره لسورة الفيل: « هذه الحادثة ثابتة بقول رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يوم الحديبية حين بركت ناقته القصواء " اسم للناقة " . دون مكة، فقالوا : خلأت القصواء ( أي حرنت). فقال رسول ـ ـ ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل " صحيح البخاري : كتاب الشروط. باب الشروط في الجهاد، ج3، ص 252 " .
وفي الصحيحين أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال يوم فتح مكة: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب " صحيح مسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وتحريم صيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، ج3، ص 505، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ الشاهد الغائب " .
فهي حادثة ثابتة انه قد حيس الفيل عن مكن في يوم الفيل، ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده، فأرسل عليهم جماعات من الطير تحصبهم من طين وحجر، فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة، كما يحكي عنهم القرآن الكريم» " في ظلال القرآن: مج 6، ص 3975 " .
6- وقد يورد الحديث أو الأحايث في صلب تفسيره لبيان خصائص التشريع الإسلامي، فحين يفسر قوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله... الآية " سورة البقرة : آية 229 " . يستشهد بثلاثة احاديث في موضع واحد " المصدر نفسه ، مج 1، ص 248، ويراجع أيضا ص 253 " .
7 وقد يورد بعض الأحاديث في خاتمة تفسيره للمقطع أو الدرس لتوضيح خصائص النظام الإسلامي في المجال الاقتصادي، ومثاله ما جاء في تفسيره لقوله تعالى : الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم لا هم يحزنون " سورة البقرة، آية 274 " : « وبعد فإن الإسلام لا يقيم حياة أهله على العطاء، فإن نظامه كله يقوم أولا على تيسير العمل والرزق لكل قادر، وعلى حسن توزيع الثروة بين أهله بإقامة هذا التوزيع على الحق والعدل بين الجهد والجزاء، ولكن هنالك حالات تتخلف لأسباب استثنائية، وهذه هي التي يعالجها بالصدقة... روى البخاري بإسناده عن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة قالا : سمعنا أبا هريرة يقول قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقـرأوا إن شـئـتـم يـعـنـي قوله: لا يسألون الناس إلحافا " سورة البقرة، جزء من الآية 273. الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الزكاة. باب قوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا ج2، ص 153 " . ويتبع هذا الحديث بحديثين آخرين في الموضوع نفسه، ثم يعلق عليهما قائلا: « إن الإسلام نظام متكامل تعمل نصوصه وتوجيهاته وشرائعه كلها متحدة ولا يؤخذ أجزاء وتفاريق، وهو يضع نظمه لتعمل كلها في وقت واحد، فتتكامل وتتناسق، وهكذا أنشأ مجتمعه الفريد الذي لم تعرف له البشرية نظيرا في مجتمعات الأرض جميعا» " المصدر نفسه، مج 1، ص 316/ 317 " .
8- وقد يستشهد ببعض الأحاديث على نسخ حكم من الأحكام الشرعية، ومثاله ما جاء في تفسيره لقوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهم الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " سورة النساء، آية 15 " : « فيغير ما بهن، أو يغير عقوبتهن أو يتصرف في أمرهن بما يشاء، مما يشعر أن هذا ليس الحكم النهائي الدائم، وإنما هو حكم فترة معينة، وملابسات في المجتمع خاصة، وأنه يتوقع صدور حكم آخر ثابت دائم وهذا هو الذي وقع بعد ذلك، فتغير الحكم كما ورد في سورة النور " يعني قوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ( سورة النور ، آية 2) ". وفي حديث رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وإن لم تتغير الضمانات المشددة في تحقيق الجريمة، قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال، كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ إذا نزل عليه الوحي أثر عليه، وكرب لذلك، وتغير وجهه، فأنزل الله عليه، - ذات يوم فلما سرى عنه قال : خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة، ورواه مسلم " صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب حد الزنا، ج 4، ص 267 " . وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن عبادة بن الصامت عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ولفظه : خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب حد الزنا، ج4، ص 266 مع اختلاف في لفظ الحديثين "، وقد ورد عن السنة العملية في حادث ماعز والغامدية، كما ورد في صحيح مسلم ان النـــبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ رجمهما ولم يجلدهما، وكذلك في حادث اليهودي واليهودية اللذين حكم في قضيتهما فقضى برجمهما ولم يجلدهما، فدلت سنته العملية على أن هذا هو الحكم الاخير» " في ظلال القرآن : مج1، ص 599/600 .
9 وقد ياتي بجملة أحاديث لإثبات صفة من صفات الله تعالى، حاول أعداء الإسلام، ويحاولون طمسها بأكاذيبهم وافتراءاتهم. كنوع من الفتنة والتضليل. ومثال ذلك ما جاء في تفسيره للآية الكريمة إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما سورة النساء، آية 48. حيث يورد ثلاثة أحاديث نبوية شريفة كلها تنص على رحمة الله الواسعة بالعباد ." في ظلال القرآن : ج2، ص 678/679 " .
وفي تفسيره لقوله تعالى قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله، كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " سورة الأنعام، جزء من الآية 12 " . يثبت صفة رحمة الله تعالى بالعباد، مرة اخرى مستشهدا بأكثر من عشرة أحاديث في موضه واحد " في ظلال القرآن: مج2، ص 1050/1052 ".
10- ويورد ستة أحاديث كلها تتعلق بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذلك عند تفسيره للآية الكريمة كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمــنون بالله " سورة آل عمران، جزء من الآية 110 " .
واستشهاده بهذه المجموعة من الأحاديث في موضع واحد يدل على مدى تأثير الواقع الثقافي في تفسيره "في ظلال القرآن". فقعود الناس عن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الذي دفعه إلى ذلك . " يراجع في ظلال القرآن: مج 1، ص 448، ومج2، ص 948 " .
11- وفي معرض تفسيره لسورة البقرة يورد ستة احاديث في موضع واحد متتالية، وكلها تحض على الجهاد، وتبين كرامة المجاهدين، وذلك كنوع من استنهاض همم المسلمين الغافلين والمتخاذلين، وحضهم على القيام بهذه الفريضة . " المرجع نفسه : مج1، ص 144 ".
وفي تفسيره السورة نفسها يستشهد بثمانية احاديث كلها تتحدث عن آداب الجهاد، وذلك ليبين الفرق بين آداب القتال التي شرعها الله تعالى، وبين الشناعات التي عرفتها حروب الأمم قديما وحديثا. وأثر الواقع الثقافي اضح في توظيفها في عملية التفسير، إذ المقصود بها دفع اتهام المغرضين من المستشرقين والمستغربين للإسلام بالعدوان والوحشية، والحض على سفك الدماء، وإقامة الدليل القاطع على عظمة الإسلام . " المرجع نفسه : مج1، ص 188 " .

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:25 pm

أدب المفسر : سيد قطب نموذجا . إهداء لعبد الرحمن الشهري
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الإخوة الأفاضل رواد هذا الموقع المبارك : السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
( قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة:32)
عناية سيد قطب بلغة النص القرآني .

يبدو أثر الواقع الأدبي الحديث واضحا في عناية سيد قطب بلغة النص القرآني، ودراسة أسلوبه وإبراز الجانب التعبيري والبلاغي للألفاظ والتراكيب اللغوية، ذلك أنه ركز على جوانب فنية وجمالية لم يتنبه إليها أو بالأحرى لم يركز عليها القدماء عند تفسيرهم للقرآن الكريم، أو دراسته دراسة لغوية وبلاغية. من ذلك تركيزه على الصورة والمشاهد، ورسم الشخصيات، وتجسيد المواقف، والظلال والحركة والتكرار، والتناسق بين المدلولات والتعابير، والاهتمام الكبير بدراسة الإيقاع، وتحليل بنية الألفاظ التركيبية والدلالية، والكشف عن العلاقة الموجودة بينهما، وغيرها من الأدوات و الوسائل التعبيرية التي اكتشفها الأدباء والنقاد، وفلاسفة الجمال في العصر الحديث، والتي اطلع عليها سيد قطب دون شك بوصفه أديبا وشاعرا وناقدا.
و التركيز على هذه الجوانب الجمالية والأسلوبية في دراسة النص القرآني يعتبر من أبرز سمات النزعة الأدبية في تفسير « في ظلال القرآن"، فضلا عن أنه قد وسع من دائرة الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، والذي كان يدور حول موضوعات ومحاور قد استهلكت، كدراسة التشبيه والاستعارة والكناية، والمجاز والمحسنات البديعية واللفظية والمعنوية والخروج بالنص القرآني إلى رحابة الدراسات الفنية والجمالية والأسلوبية الحديثة التي يتفاعل معها المسلم المعاصر، كما أنه يبرز كثيرا من الخصائص التركيبية والدلالية و الأسلوبية للخطاب القرآني، التي لم تتمكن الدراسات اللغوية أو البلاغية القديمة من إبرازها بالطريقة نفسها، وبالدقة والعمق الذي تستطيعه الدراسات الفنية والجمالية والأسلوبية الحديثة.
وسنحاول في هذا المبحث أن نبين مع ضرب بعض الأمثلة من "الظلال" عناية سيد قطب الفائقة بدراسة لغة وأسلوب الخطاب القرآني.
1- التعبير بالصورة والمشهد :

عني سيد قطب في دراسته للغة الخطاب القرآني بإبراز طريقة القرآن الكريم في التعبير، والتي تتمثل أساسا في التصوير « فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، ثم يرقى بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة أو الحركة المتجددة فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية. فأما الحوادث والمشاهد والقصص والمناظر فيردها شاخصة حاضرة فيها الحياة، وفيها الحركة، فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل، فما يكاد يبدأ العرض حتى يحيل المستمعين نظارة، وحتى ينقلهم نقلا إلى مسرح الحوادث الأول الذي وقعت فيه أو ستقع، حيث تتوالى المناظر وتتجدد الحركات وينسى المستمع أن هذا الكلام يتلى، ومثل يضرب، ويتخيل أنه منظر يعرض، وحادث يقع. فهذه شخوص تروح على المسرح وتغدو، وهذه سمات الانفعال بشتى الوجدانات المنبعثة من الموقف المتساوقة مع الحوادث، وهذه كلمات تتحرك بها الألسنة فتنم عن الأحاسيس المضمرة. إنها الحياة هنا وليست حكاية الحياة»(1).
وهناك أمثلة كثيرة عن تعبير القرآن الكريم بالصورة والمشهد، منها :
أ- ما جاء في تفسيره لقوله تعالى إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم، قالوا : كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا(2) ، فالتعبير القرآني «يعبر في صورة، ويصور في مشهد حي نابض بالحركة والحوار... إن القرآن يعالج نفوسا بشرية، ويهدف إلى استجاشة عناصر الخير والمروءة والعزة فيها، وإلى مطاردة عوامل الضعف والشح والحرص والثقلة، لذلك يرسم هذا المشهد. إنه يصور حقيقة ولكنه يستخدم هذه الحقيقة في موضعها أحسن استخدام في علاج النفس البشرية، ومشهد الاحتضار بذاته مشهد ترتجف له النفس البشرية، وتتحفز لتصور ما فيه. وإظهار الملائكة في المشهد يزيد النفس ارتجافا وتحفزا وحساسية»(3) .
ب- ويقول في تفسيره لوقله تعالى في سورة الكهف قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا(4) : « والبحر أوسع وأغزر ما يعرفه البشر، والبشر يكتبون بالمداد كل ما يكتبون، وكل ما يسجلون به علمهم الذي يعتقدون أنه غزير، فالسياق يعرض لهم البحر بسعته وغزارته في صورة مداد يكتبون به كلمات الله الدالة على علمه فإذا البحر ينفذ وكلمات الله لا تنفذ، ثم إذا هو يمدهم ببحر آخر مثله ثم إذا البحر الآخر ينفذ كذلك وكلمات الله تنتظر المداد، وبهذا التصوير المحسوس والحركة المجسمة يقرب إلى التصور البشري المحدود معنى غير المحدود، ونسبة المحدود إليه مهما عظم واتسع. والمعنى الكلي المجرد يظل حائرا في التصور البشري، ومائعا حتى يتمثل في صورة محسوسة، ومهما أوتي العقل البشري من القدرة على التجريد فإنه يظل إلى حاجة إلى تمثل المعنى المجرد في صور وأشكال وخصائص ونماذج، ذلك شأنه مع المعاني المجردة التي تمثل المحدود فكيف بغير المحدود؟ لذلك يضرب القرآن الأمثال للناس ويقرب إلى حسهم معانيه الكبرى بوضعها في صور ومشاهد ومحسوسات ذات مقومات وخصائص وأشكال على مثال هذا المثال»(1).
للموضوع بقية .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:25 pm

أثر الواقع الثقافي في طريقة سيد قطب في إيراد الأحاديث .
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفصح طريقة سيد قطب في إيراد الأحاديث النبوية الشريفة عن أثر الواقع الثقافي في تفسيره، فهو مثلا يورد الحديث من غير أن يذكر السند بكامله إلا نادرا، وذلك حتى لا يثقل على القارئ من جهة، ولأنه لا يفيده شيئا، إذ إن ثقافته ـ عموم القراء المستهدفين ـ لا تمكنه من الاستفادة من ذكر السند بكامله، ومن ثم كان سيد قطب يكتفي بذكر راوي الحديث، وهو عادة ما يكون صحابي جليل، وفي بعض الأحيان يعقد فصلا كاملا للأحاديث الخاصة بالموضوع الواحد الذي يعنى بدراسته، أو بالحقيقة التي يريد بيانها، أو بالتصور الذي يريد تجليته(يراجع في ظلال القرآن : مج1، 169/170- 144/145- 173/174- 188- 463.) . ومرة واحدة في التفسير كله يذكر طائفة من الأحاديث متتالية ومرقمة مع ذكر الراوي والإشارة إلى المصدرفي ظلال القرآن : مج1، ص 169/170.. وقد يعتمد الحديث من غير أن يأتي بلفظه( معنى الحديث )) المرجع السابق : 69-167-246-468- 477- 455- 679- 691- 982- 985 - 3316- 3347- 3891..

وتفضلوا بقبول خالص التحيات و التقدير .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:26 pm

أسلوب التخييل الحسي و التجسيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أخي الفاضل الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الشهري ـ حفظه الله ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بع ، فإني أشكركم على تواصلكم و تقديركم ، وما إهدائي هذا العمل المتواضع لشخصكم الكريم إلا اعتراف بالمجهودات التي تبذلونها أنتم و إخوانكم لضمان استمراريةى الموقع و نجاحه و تألقه جزاكم الله خيرا . وكما وعدت بإتمام الموضوع ، فهو بعض مما من به الرحمن ، لعل فيه كشفا عن جوانب من إعجاز الذكر الحكيم .

التخييل الحسي والتجسيم

يعتبر التخييل الحسي والتجسيم عند سيد قطب من القواعد الأساسية التي يقوم عليها التصوير الفني في القرآن الكريم، ويعرف التخييل الحسي في كتابه : "التصوير الفني في القرآن" الكريم بقوله: « قليل من صور القرآن هو الذي يعرض صامتا ساكنا لغرض فني يقتضى الصمت والسكون أما أغلب الصور ففيه حركة مضمرة أو ظاهرة، حركة يرتفع بها نبض الحياة وتعلو بها حرارتها. وهذه الحركة ليست مقصورة على مشاهد القصص والحوادث، ولا على مشاهد القيامة، ولا صور النعيم والعذاب، او صور البرهنة والجدل، بل إنها لتلحظ كذلك في مواضع أخرى لا ينتظر أن تلحظ فيها. ويجب أن ننبه إلى نوع هذه الحركة فهي حركة حية مما تنبض به الحياة الظاهرة للعيان، أو الحياة المضمرة في الوجدان، هذه الحركة هي التي نسميها التخييل الحسي، وهي التي يسير عليها التصوير في القرآن لبث الحياة في شتى الصور، مع اختلاف الشيات والألوان»(1) .
أما التجسيم فهو عنده : « تجسيم المعنويات المجردة وإبرازها أجساما، أو محسوسات على العموم، وإنه ليصل في هذا إلى مدى بعيد حتى ليعبر به في مواضع حساسة جد الحساسية، يحرص الدين الإسلامي على تجريدها كل التجريد كالذات الإلهية وصفاتها. ولهذا دلالته الحاسمة أكثر من كل دلالة أخرى على أن طريقة "التجسيم" هي الأسلوب المفضل في تصوير القرآن مع الاحتراس والتنبيه إلى خطورة التجسيم في الأوهام» التصوير الفني في القرآن: ص 72.
والآن لنأخذ في ضرب بعض الأمثلة من "الظلال" :
أ- جاء في تفسيره للآية الكريمة )وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً سورة الفرقان: آية 23 : « الخيال يتبع حركة القدوم المجسمة المتخيلة على طريقة القرآن في التجسيم والتخييل وعملية الإثارة للأعمال والتذرية في الهواء فإذا كل ما عملوا في الدنيا من عمل صالح هباء، ذلك أنه لم يقم على الإيمان الذي يصل القلب بالله، والذي يجعل العمل الصالح منهجا مرسوما وأصلا قاصدا لا خبط عشواء، ولا نزوة طارئة، ولا حركة مبتورة لا قصد لها ولا غاية. فلا قيمة لعمل مفرد لا يتصل بمنهج، ولا فائدة في حركة مفردة ليست حلقة من سلسلة ذات هدف معلوم» في ظلال القرآن : مج5، ص 6558/6559، ويراجع أيضا ص 3272 .
ب- ومثال آخر من تفسيره للسورة نفسها : « ثم يعرض مشهدا من مشاهد ذلك اليوم يصور ندم الظالمين الضالين، يعرضه عرضا طويلا مديدا يخيل للسامع أنه لن ينتهي ولن يبرح، مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف والأسى : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً( سورة الفرقان ، من الآية 27 إلى الآية 29 ) ، ويصمت كل شيء من حوله ويروح يمد في صوته المتحسر ونبراته الأسيفة. والإيقاع الممدود يزيد الموقف طولا، ويزيد أثره عمقا حتى ليكاد القارئ للآيات والسامع يشاركان في الندم والأسف والأسى.. فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها إنما هو يداول بين هذه وتلك، أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين، وهي حركة معهودة يرمز بها إلى حالة نفسية فيجسمها تجسيما» في ظلال القرآن : مج 5، ص 2560.
ج- ومن ألوان التخييل "التشخيص"، ويقصد به « خلع الحياة على المواد الجامدة والظواهر الطبيعية والإنفعالات الوجدانية» التصوير الفني في القرآن، ص 73. ومن أمثلته ما جاء في تفسيره لقوله تعالى )إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سورة الأعراف، آية 54 : « ولا ينسينا الهدف العظيم الذي يستهدفه السياق القرآني بهذا الاستعراض أن نقف لحظات أمام روعة المشاهد وحيويتها وحركتها وإيحاءاتها العجيبة، فهي من هذه الوجهة كفء للهدف العظيم الذي تتوخاه. إن دورة التصور والشعور مع دورة الليل والنهار في هذا الفلك الدوار، والليل يطلب النهار حثيثا ويريده مجتهدا، لهي دورة لا يملك الوجدان ألا يتابعها، وألا يدور معها  ألا يرقب هذا السباق الجبار بين الليل والنهار.. بقلب مرتعش ونفس لاهث  وكله حركة وتوفز، وكله تطلع وانتظار إن جمال الحركة وحيويتها و "تشخيص" الليل والنهار في سمت الشخص الواعي ذي الإرادة والقصد، إن هذا كله مستوى من جمال التصوير والتعبير لا يرقى إليه فن بشري على الإطلاق... إن الليل والنهار في هذا التعبير ليسا مجرد ظاهرتين طبيعيتين مكرورتين وإنما هما حيان ذوا حس وروح وقصد وإتجاه، يعاطفان البشر ويشاركانهم الحياة  وحركة الصراع والمنافسة والسباق التي تطبع الحياة، كذلك هذه الشمس والقمر والنجوم، إنها كائنات حية ذات روح إنها تتلقى امر الله وتنفذه . وتخضع له، وتسير وفقه، إنها مسخرة تتلقى وتستجيب، وتمضي حيث أمرت، كما يمضي الأحياء في طـــــاعة الله» " في ظلال القرآن: مج3، ص 1297، ويراجع أيضا مج5، ص 2554، 3125. مج2، ص 3365، 3634،3697،3698 " .
د- ومن ألوانه أيضا التعبير عن معنى من المعاني أو حالة من الحالات بصور متحركة يتوقعها القارئ في كل لحظة. ومثال ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ سورة آل عمران، جزء من الآية 185 : « ولفظ "زحزح" بذاته يصور معناه بجرسه ويرسم هيأته ويلقي ظله، وكأنما للنار جاذبية تشد إليها من يقترب منها ويدخل في مجالها. فهو في حاجة إلى من يزحزحه قليلا ليخلصه من جاذبيتها المنهومة، فمن أمكن أن يزحزح عن مجالها، ويستنقذ من جاذبيتها ويدخل الجنة فقد فاز، صورة قوية بل مشهد حي فيه حركة وشد وجذب، وهو كذلك في حقيقته وفي طبيعته، فللنار جاذبية! أليست للمعصية جاذبية، أليست النفس في حاجة إلى من يزحزحها زحزحة عن جاذبية المعصية؟ بلى! وهذه هي زحزحتها عن النار ! أليس الإنسان حتى مع المحاولة واليقظة الدائمة -يضل أبدا مفسرا في العمل إلى أن يدركه فضل الله؟ وهذه هي الزحزحة عن النار!» " في ظلال القرآن: ج1، ص 539 ويراجع أيضا الصفحات التالية من "الظــــلال"، مج3، ص 1711- مج4، ص 2416.
هـ- من أنواع التخييل الحسي التي أبرزها سيد قطب عند تفسيره للقرآن الكريم، نوع يوحي بحركة حسية لمعنى معنوي، ومثال ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ســورة الأعراف، آية 175/176 : « إنه مشهد من المشاهد العجيبة الجديدة كل الجدة على ذخيرة هذه اللغة من التصورات والتصويرات.. إنسان يؤتيه الله آياته ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه ويعطيه الفرصه كاملة للهدى والاتصال والارتفاع.. ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخا، ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبس بلحمه، فهو ينسلخ منها بعنف وجهد ومشقة، انسلاخ الحي من أديمه اللاصق بكيانه. أو ليست الكينونة البشرية متلبسة بالإيمان بالله تلبس الجلد بالكيان؟ .. ها هو ذا ينسلخ من آيات الله، ويتجرد من الغطاء الواقي، والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطين المعتم، فيصبح غرضا لشيطان لا يقيه منه واق.. ثم إذا نحن اولاء أمام مشهد مفزع بائس نكد.. إذا نحن بهذا المخلوق لاصقا بالأرضن ملوثا بالطين، ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد.. كل هذه المشاهد المتحركة تتابع وتتوالى، والخيال شاخص يتبعها في انفعال وانبهار وتأثر» في ظلال القرآن: مج3، ص 1396/1397.
و- ومن ألوان التخييل الحسي في القرآن الكريم لون تتمثل فيه سرعة الحركة ومثالة ما جاء في سورة الحج حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ سورة الحج، آية 31. يقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآية الكريمة مبينا هذا اللون من ألوان التخييل الحسي : «إنه مشهد الخوى من شاهق فكأنما خر من السماء وفي مثل لمح البصر يتمزق فتخطفه الطير او تقذفه به الريح بعيدا عن الأنظار أو تهوى به الريح في مكان سحيق في هوة ليس لها قرار! والملحوظ هو سرعة الحركة مع عنفها، وتعاقب خطواتها في اللفظ "بالفاء" وفي المنظر بسرعة الاختفاء.. على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير. وهي صورة صادقة لحال من يشرك بالله، فيهوى من أفق الإيمان السامق إلى حيث الفناء والانطواء، إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها، قاعدة التوحيد. ويفقد المستقر الآمن الذي يثوب إليه، فتخطفه الأهواء تخطف الجوارح وتتقاذفه الأوهام تقاذف الرياح، وهو لا يمسك بالعروة الوثقى، ولا يستقر على القاعدة الثابتة، التي تربطه بهذا الوجود الذي يعيش فيه» في ظلال القرآن : مج 4، ص2421/2422، ويراجع أيضا 2413/2414.
ز- ومن أنواع التخييل الحسي في القرآن الكريم نوع يتمثل في إضفاء الحركة على الأشياء الساكنة ومثال ذلك قوله تعالى : قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً " سورة مريم، جزء من الآية 4 " ، يبين سيد قطب في تفسيره لهذه الآية الكريمة كيف أن القرآن الكريم مثل للشيب الذي عم كل الرأس بحركة اشتعال النار في الهشيم فتحيله رمادا:«... ويشكو إليه اشتعال الرأس شيبا، والتعبير المصور يجعل الشيب كأنه نار تشتعل، ويجعل الرأس كله كأنما تشمله هذه النار المشتعلة، فلا يبقى في الرأس المشتعل سواد. ووهن العظم واشتعال الرأس شيبا كلاهما كناية عن الشيخوخة وضعفها الذي يعانيه زكريا ويشكوه إلى ربه وهو يعرض عليه حاله ورجاءه» في ظلال القرآن : مج 4، ص 2302.
هذا عن التخييل الحسي، أما التجسيم فهو الآخر أنواع وألوان، يمكننا ان نذكر هنا بعضها على سبيل المثال :
أ- وأول أنواع التجسيم يشمل : « كل التشبيهات التي جيء بها لإحالة المعاني والحالات صورا وهيئات» التصوير الفني في القرآن، ص 78/79، ومثال ذلك قوله تعالى في ســـورة إبراهيم مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ سورة إبراهيم، آية 18، يقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآية الكريمة مبينا كيف جسم القرآن الكريم ضياع الأعمال في مشهد متـحرك : « ومشهد الرماد تشتد به الريح في يوم عاصف مشهود معهود، يجسم به السياق معنى ضياع الأعمال سدى، لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها، ولا الانتفاع به أصلا، يجسمه في هذا المشهد العاصف المتحرك، فيبلغ في تحريك المشاعر له ما لا يبلغه التعبير الذهني المجرد عن ضياع الأعمال وذهابها بددا، هذا المشهد ينطوي على حقيقة ذاتية في أعمال الكفار، فالأعمال التي لا تقوم على قاعدة من الإيمان، ولا تمسكها العروة الوثقى التي تصل العمل بالباعث، وتصل الباعث بالله.. مفككة كالهباء والرماد، لا قوام لها ولا نظام، فليس المعول عليه هو العمل، ولكن باعث العمل. فالعمل حركة آلية لا يفترق فيها الإنسان عن الآلة إلا بالباعث والقصد والغاية. وهكذا يلتقي المشهد المصور مع الحقيقة العميقة، وهو يؤدي المعنى في أسلوب مشوق موح مؤثر...» في ظلال القرآن: مج 4، ص 2094، ويراجع أيضا مج 1، ص 308/309، ومج4، ص2098. .
ب- وهناك لون آخر من ألوان التجسيم وهو « تجسيم المعنويات لا على وجه التشبيه والتمثيل، بل على وجه التصيير والتحويل» التصوير الفني في القرآن : ص 79. ومثاله قوله تعالى وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً " سورة الكهف: جزء من الآية 49 " . فهو « مشهد تشترك فيه الطبيعة، ويرتسم فيه على صفحاتها وعلى صفحات القلوب، مشهد تتحرك فيه الجبال الراسخة فتسير فكيف بالقلوب، وتتبدى فيه الأرض عارية وتبرز في صفحتها مكشوفة لا نجاد فيها ولا وهاد، ولا جبال فيها ولا وديان، وكذلك تتكشف خبايا القلوب فلا تخفى منها خافية» في ظلال القرآن : مج4، ص 2274.
ج- ومن ألوان التجسيم التي وقف عليها سيد قطب عند تفسيره للذكر الحكيم، وصف المعنوي بمحسوس، ومثاله قوله تعالى وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ سورة إبراهيم، من الآية 15 إلى الآية 17: « والمشهد هنا عجيب، إنه مشهد الخيبة لكل جبار عنيد، مشهد الخيبة في هذه الأرض، ولكنه يقف هذا الموقف، ومن ورائه تخايل جهنم وصورته فيها، وهو يسقى من الصديد السائل من الجسوم، يسقاه بعنف فيتجرعه غصبا وكرها، ولا يكاد يسيغه، لقذارته ومرارته، والتقزز والتكره بأديان نكاد نلمحها من خلال الكلمات، ويأتيه الموت بأسبابه المحيطة به من كل مكان، ولكنه لا يموت ليستكمل عذابه، ومن ورائه عذاب غليظ... إنه مشهد عجيب، يرسم الجبار الخائب المهزوم ووراءه مصيره يخايل له على هذا النحو المروع الفظيع، وتشترك كلمة "غليظ" في تفظيع المشهد، تنسيقا له مع القوة الغاشمة التي كانوا يهددون بها دعاة الحق والخير والصلاح واليقين» " في ظلال القرآن : مج4، ص 2093/2094 " .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:27 pm

الخطاب الذهبي .. عن سيد قطب .. الشيخ بكر عبدالله أبو زيد
فضيلة الأخ الشيخ / ربيع بن هادي المدخلي .. الموقر

السلام عيكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد

فأشير إلى رغبتكم قراءة الكتاب المرفق "أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره".. هل من ملاحظات عليه ثم هذه الملاحظات هل تقضي على هذا المشروع فيطوى ولا يروى، أم هي مما يمكن تعديلها فيترشح الكتاب بعد الطبع والنشر ويكون ذخيرة لكم في الأخرى، بصيرة لمن شاء الله من عباده في الدنيا، لهذا أبدي ما يلي..

1 - نظرت في أول صفحة من فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جمعت في سيد قطب ، أصول الكفر والإلحاد والزندقة، القول بوحدة الوجود، القول بخلق القرآن، يجوز لغير الله أن يشرع، غلوه في تعظيم صفات الله تعالى، لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكك في أمور العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات ..إلى أخر تلك العناوين التي تقشعر منها جلود المؤمنين.. وأسفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبهوا على هذه الموبقات.. وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشمس، وعامتهم يستفيدون منها، حتى أنت في بعض ما كتبت، عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذبه الخبر، ونهايتها بالجملة عناوين استفزازية تجذب القارئ العادي، إلى الوقيعة في سيد ، وإني أكره لي ولكم ولكل مسلم مواطن الإثم والجناح، وإن من الغبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته.

2 - نظرت فوجدت هذا الكتاب يـفـتـقـد:

أصـول البحث العلمي، الحيـدة العلمية، منهـج النقد، أمانـة النقل والعلم، عـدم هضم الحق.

أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمت إلى الكتاب بهاجس.. وإليك الدليل…

أولاً: رأيت الاعتماد في النقل من كتب سيد تعالى من طبعات سابقة مثل الظلال والعدالة الاجتماعية مع علمكم كما في حاشية ص 29 وغيرها، أن لها طبعات معدلة لاحقة، والواجب حسب أصول النقد والأمانة العلمية، تسليط النقد إن كان على النص من الطبعة الأخيرة لكل كتاب، لأن ما فيها من تعديل ينسخ ما في سابقتها وهذا غير خاف إن شاء الله تعالى على معلوماتكم الأولية، لكن لعلها غلطة طالب حضر لكم المعلومات ولما يعرف هذا ؟؟، وغير خاف لما لهذا من نظائر لدى أهل اعلم، فمثلاً كتاب الروح لابن القيم لما رأى بعضهم فيما رأى قال: لعله في أول حياته وهكذا في مواطن لغيره، وكتاب العدالة الاجتماعية هو أول ما ألفه في الإسلاميات والله المستعان.

ثانيًا: لقد اقشعر جلدي حينما قرأت في فهرس هذا الكتاب قولكم (سيد قطب يجوز لغير الله أن يشرع)، فهرعت إليها قبل كل شيء فرأيت الكلام بمجموعه نقلاً واحدًا لسطور عديدة من كتابه العدالة الاجتماعية) وكلامه لا يفيد هذا العنوان الاستفزازي، ولنفرض أن فيه عبارة موهمة أو مطلقة، فكيف نحولها إلى مؤاخذة مكفرة، تنسف ما بنى عليه سيد حياته ووظف له قلمه من الدعوة إلى توحيد الله تعالى (في الحكم والتشريع) ورفض سن القوانين الوضعية والوقوف في وجوه الفعلة لذلك، إن الله يحب العدل والإنصاف في كل شيء ولا أراك إن شاء الله تعالى إلا في أوبة إلى العدل والإنصاف.

ثالثًا: ومن العناوين الاستـفـزازيـــة قولكم (قول سيد قطب بوحدة الوجود).

إن سيدًا قال كلامًا متشابهًا حلق فيه بالأسلوب في تفسير سورتي الحديد والإخلاص وقد اعتمد عليه بنسبة القول بوحدة الوجود إليه، وأحسنتم حينما نقلتم قوله في تفسير سورة البقرة من رده الواضح الصريح لفكرة وحدة الوجود، ومنه قوله: (( ومن هنا تنتفي من التفكير الإسلامي الصحيح فكرة وحدة الوجود)) وأزيدكم أن في كتابه (مقومات التصور الإسلامي) ردًا شافيًا على القائلين بوحدة الوجود، لهذا فنحن نقول غفر الله لسيد كلامه المتشابه الذي جنح فيه بأسلوب وسع فيه العبارة.. والمتشابه لا يقاوم النص الصريح القاطع من كلامه، لهذا أرجو المبادرة إلى شطب هذا التكفير الضمني لسيد تعالى وإني مشفق عليكم.

رابعًا: وهنا أقول لجنابكم الكريم بكل وضوح إنك تحت هذه العناوين (مخالفته في تفسير لا إله إلا الله للعلماء وأهل اللغة وعدم وضوح الربوبية والألوهية عند سيد) .

أقول أيها المحب الحبيب، لقد نسفت بلا تثبت جميع ما قرره سيد تعالى من معالم التوحيد ومقتضياته، ولوازمه التي تحتل السمة البارزة في حياته الطويلة فجميع ما ذكرته يلغيه كلمة واحدة، وهي أن توحيد الله في الحكم والتشريع من مقتضيات كلمة التوحيد، وسيد تعالى ركز على هذا كثيرًا لما رأى من هذه الجرأة الفاجرة على إلغاء تحكيم شرع الله من القضاء وغيره وحلال القوانين الوضعية بدلاً عنها ولا شك أن هذه جرأة عظيمة ما عاهدتها الأمة الإسلامية في مشوارها الطويل قبل عام (1342هـ ).

خامسًا: ومن عناوين الفهرس (قول سيد بخلق القرآن وأن كلام الله عبارة عن الإرادة).. لما رجعت إلى الصفحات المذكورة لم أجد حرفًا واحدًا يصرح فيه سيد تعالى بهذا اللفظ (القرآن مخلوق) كيف يكون هذا الاستسهال للرمي بهذه المكفرات، إن نهاية ما رأيت له تمدد في الأسلوب كقوله (ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها ـ أي الحروف المقطعة ـ مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله لا من صنع الناس) ..وهي عبارة لا شك في خطأها ولكن هل نحكم من خلالها أن سيدًا يقول بهذه المقولة الكفرية (خلق القرآن) اللهم إني لا أستطيع تحمل عهدة ذلك.. لقد ذكرني هذا بقول نحوه للشيخ محمد عبد الخالق عظيمة في مقدمة كتابه دراسات في أسلوب القرآن الكريم والذي طبعته مشكورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فهل نرمي الجميع بالقول بخلق القرآن اللهم لا، واكتفي بهذا من الناحية الموضوعية وهي المهمة.

ومن جهات أخرى أبدي ما يلي:

1 - مسودة هذا الكتاب تقع في 161 صفحة بقلم اليد، وهي خطوط مختلفة، ولا أعرف منه صفحة واحدة بقلمكم حسب المعتاد، إلا أن يكون اختلف خطكم، أو اختلط علي، أم أنه عُهد بكتب سيد قطب لعدد من الطلاب فاستخرج كل طالب ما بدا له تحت إشرافكم، أو بإملائكم. لهذا فلا أتحقق من نسبته إليكم إلا ما كتبته على طرته أنه من تأليفكم، وهذا عندي كاف في التوثيق بالنسبة لشخصكم الكريم.

2 - مع اختلاف الخطوط إلا أن الكتاب من أوله إلى أخره يجري على وتيرة واحدة وهي: أنه بنفس متوترة وتهيج مستمر، ووثبة تضغط على النص حتى يتولد منه الأخطاء الكبار، وتجعل محل الاحتمال ومشتبه الكلام محل قطع لا يقبل الجدال…وهذا نكث لمنهج النقد: الحيدة العلمية .

3 - من حيث الصيغة إذا كان قارنًا بينه وبين أسلوب سيد ، فهو في نزول، سيد قد سَمَا، وإن اعتبرناه من جانبكم الكريم فهو أسلوب "إعدادي" لا يناسب إبرازه من طالب علم حاز على العالمية العالية، لا بد من تكافؤ القدرات في الذوق الأدبي، والقدرة على البلاغة والبيان، وحسن العرض، وإلا فليكسر القلم.

4 - لقد طغى أسلوب التهيج والفزع على المنهج العلمي النقدي…. ولهذا افتقد الرد أدب الحوار.

5 - في الكتاب من أوله إلى آخره تهجم وضيق عطن وتشنج في العبارات فلماذا هذا…؟

6 - هذا الكتاب ينشط الحزبية الجديدة التي أنشئت في نفوس الشبيبة جنوح الفكر بالتحريم تارة، والنقض تارة وأن هذا بدعة وذاك مبتدع، وهذا ضلال وذاك ضال.. ولا بينة كافية للإثبات، وولدت غرور التدين والاستعلاء حتى كأنما الواحد عند فعلته هذه يلقي حملاً عن ظهره قد استراح من عناء حمله، وأنه يأخذ بحجز الأمة عن الهاوية، وأنه في اعتبار الآخرين قد حلق في الورع والغيرة على حرمات الشرع المطهر، وهذا من غير تحقيق هو في الحقيقة هدم، وإن اعتبر بناء عالي الشرفات، فهو إلى التساقط، ثم التبرد في أدراج الرياح العاتية .

هذه سمات ست تمتع بها هذا الكتاب فآل غـيـر مـمـتـع، هذا ما بدا إلي حسب رغبتكم، وأعتذر عن تأخر الجواب، لأنني من قبل ليس لي عناية بقراءة كتب هذا الرجل وإن تداولها الناس، لكن هول ما ذكرتم دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه، فوجدت في كتبه خيرًا كثيرًا وإيمانًا مشرفًا وحقًا أبلج، وتشريحًا فاضحًا لمخططات العداء للإسلام، على عثرات في سياقاته واسترسال بعبرات ليته لم يفه بها، وكثير منها ينقضها قوله الحق في مكان أخر والكمال عزيز، والرجل كان أديبًا نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة المشرفة، والسيرة النبوية العطرة، فكان ما كان من مواقف في قضايا عصره، وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن سالفته، وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار وقال كلمته الإيمانية المشهورة، إن أصبعًا أرفعه للشهادة لن أكتب به كلمة تضارها... أو كلمة نحو ذلك، فالواجب على الجميع … الدعاء له بالمغفرة … والاستفادة من علمه، وبيان ما تحققنا خطأه فيه، وأن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه ولا هجر كتبه.. اعتبر رعاك الله حاله بحال أسلاف مضوا أمثال أبي إسماعيل الهروي والجيلاني كيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية مع ما لديهما من الطوا م لأن الأصل في مسلكهما نصرة الإسلام والسنة، وانظر منازل السائرين للهروي تعالى، ترى عجائب لا يمكن قبولها ومع ذلك فابن القيم يعتذر عنه أشد الاعتذار ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه مدارج السالكين، وقد بسطت في كتاب "تصنيف الناس بين الظن واليقين" ما تيسر لي من قواعد ضابطة في ذلك .

وفي الختام فأني أنصح فضيلة الأخ في الله بالعدول عن طبع هذا الكتاب "أضواء إسلامية" وأنه لا يجوز نشره ولا طبعه لما فيه من التحامل الشديد والتدريب القوي لشباب الأمة على الوقيعة في العلماء، وتشذيبهم، والحط من أقدارهم والانصراف عن فضائلهم..

واسمح لي بارك الله فيك إن كنت قسوت في العبارة، فإنه بسبب ما رأيته من تحاملكم الشديد وشفقتي عليكم ورغبتكم الملحة بمعرفة ما لدي نحوه… جرى القلم بما تقدم سدد الله خطى الجميع..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:29 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
مشايخنا الأفاضل على قدر من الله تعالى وقعت عيناي على كتاب وجدت مجموعة من الشباب الملتزم والحمد لله انكبوا على تصفحه واقتنائه.
فإذا به كتاب للشيخ ربيع صغير الحجم تحت عنوان :
سيد قطب هو مصدر تكفير المجتمعات الاسلامية .
وفيه:
* اعتبار سيد قطب مساجد المسلمين معابد جاهلية...
* حكم سيد قطب هلى المجتمعات الاسلامية بأنها مجتمعات مرتدة وأنها أشد عذابا عند الله من الكفار الأصليين..
وفي المقدمة جاء فيها المؤلف هداه الله إلى الهدى بما روج لتشويه منهج سيد تعالى وفيها:
" فعلى كل من شارك في هذه الدعاية وفي هذا الاعلام والترويج أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحا، وأن يعلنوا هذه التوبة، وأن يعلنوا أحكامهم الاسلامية العادلة دون مراوغة على ما يأتي من القضايا:"
فذكر منها:
طعن سيد في نبي الله موسى.
.. .. .. الخليفة الراشد عثمان .
قوله بالحلول
تعطيله للصفات.
أزلية الروح
انكار معجزات الرسول .
قوله بالاشتراكية.
نصوص كلها أوجلها ميدان للفن من أنواع الموسيقى والمسرحيات...

وهكذا تابع المؤلف هداه الله للهدى اطلاق تحذيراته من فكر سيد ومنهجه..
مع بعض التعليقات في الحواشي على نقولاته عن بعض أهل العلم الذين نقل عنهم لرد
فكر سيد وخدمته لقضية كتابه هذا ثم يأسف لمناهجهم.. كقوله بعد كلام الشيخ القرضاوي حفظه الله: " نأسف لمثل هذا المنهج أعني منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات الحائد عن منهج الاسلام الذي ضيع شباب الأمة. وقذف في قلوبهم حب البدع وأهلعا..."
وحتى لا أسلك نفس مسلك الشيخ في تأليفه لمثل هذه الرسائل فيظن بي سوءا فسأكتفي بما ذكر لأفسح المجال أما أساتذتنا الفضلاء للتعليق على هذا المنهج
دون مساس بصاحبه..هذا المنهج الذي لم يسلم منه مسلم حمل لواء الدعوة أو التأليف اوالطلب...حيث يتم رفض الفكر وصاحب الفكر. وللأسف في كثير من الأحيان نغفل عن الخطأ ونركز على صاحب الخطأ. وعندنا مثل معروف عند العوام:
" إما قديس وإما إبليس"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asdlion
عضوة مشاركة
عضوة مشاركة
asdlion


عدد المساهمات : 82
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

التراث التفسيري لسيد قطب.  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التراث التفسيري لسيد قطب.    التراث التفسيري لسيد قطب.  I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 9:30 pm

تُرى ما يقول الشيخ ربيع في الشيخ الألباني ـ ـ والذي استدل بمثل هذه الفقرة من كلام سيد على سبيل المدح والثناء ووصفه بالأستاذ الكبير في مختصر العلو ؟

فهذا مما قاله الشيخ الألباني في مختصر العلو:
"ثم ذكر ـ أي سيد ـ عاملين آخرين، ثم قال:" نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم . كل ما حولنا جاهلية .. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً .. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية .. فلا بد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل المؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منه ..".

******

قال الشيخ عبد الله الجبرين:
" إن سيد قطب وحسن البنا من علماء المسلمين ، ومن أهل الدعوة .. وقد نفع الله بهما وهدى بدعوتهما خلق كثير ، ولهما جهود لا تنكر . لأجل ذلك شفع الشيخ عبدالعزيز بن باز في سيد قطب عندما قرر عليه القتل ، فلم يقبل شفاعته الرئيس جمال عبدالناصر – عليه من الله ما يستحق - ، ولما قتل كل منهما أطلق على كل واحد أنه شهيد لأنه قتل ظلما وشهد بذلك الخاص والعام ونشر ذلك في الصحف والكتب بدون إنكار . ثم تلقى العلماء كتبهما ونفع الله بها ولم يطعن أحد فيها منذ أكثر من عشرين عاما ، وإذا وقع منهما أخطاء يسيرة في التأويل ونحوه فلا يصل إلى حد التكفير ، فإن العلماء الأولين لهم مثل ذلك كالنووي والسيوطي وابن الجوزي وابن عطية والخطابي والقسطلاني وأمثالهم كثير .


وقد قرأت ما كتبه الشيخ ربيع المدخلي في الرد على سيد قطب ورأيته جعل العناوين لما ليس بحقيقة ، فرد عليه الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله ..
وكذلك تحامل على الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وجعل في كلامه أخطاء مضللة مع طول صحبته له من غير نكير :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ***** ولكن عين السخط تبدي المساويا"



****


فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله :

كثرت الأقوال في سيد قطب ، فهذا ينـزهه من كل خطأ، وذاك يجعله في عداد الفاجرين بل الكافرين فما هو الحق في ذلك ؟
الجواب :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد :
فإن المفكر الأديب سيد قطب له أعداء كثيرون، يختـلفون في كيفية النقد وأهدافه والغايات منه، ويتـفـقون في مصالح مشتركة، وقبل أن أكشف بطلان مثالب الجراحين والمطاعن الموجهة إلى سيد ، أبين أولا لماذا يستهدف سيد قطب خاصة ؟ ومن المستفيد من إسقاطه ؟

إن سيدا يعد في عصره علما من أعلام أصحاب منهج مقارعة الظالمين والكفر بهم ، ومن أفذاذ الدعاة إلى تعبيد الناس لربهم والدعوة إلى توحيد التحاكم إلى الله ، فلم يقض إلا مضاجع أعداء الله ورسوله كجمال عبدالناصر وأمثاله .. وما فرح أحد بقتله كما فرح أولئك، ولقد ضاق أولئك الأذناب بهذا البطل ذرعا، فلما ظنوا أنهم قد قتلوه إذا بدمه يحيي منهجه ويشعل كلماته حماسا، فزاد قبوله بين المسلمين وزاد انتشار كتبه، لأنه دلل بصدقه وإقدامه على قوة منهجه، فسعوا إلى إعادة الطعن فيه رغبة منهم لقتل منهجه أيضا وأنى لهم ذلك.

فاستهداف سيد قطب لم يكن استهدافا مجردا لشخصه، فهو ليس الوحيد من العلماء الذي وجدت له العثرات، فعنده أخطاء لا ننكرها، ولكن الطعن فيه ليس لإسقاطه هو بذاته فقد قدم إلى ربه ونسأل الله له الشهادة، ولكن الذي لا زال يقلق أعداءه وأتباعهم هو منهجه الذي يخشون أن ينتشر بين أبناء المسلمين .

وإني إذ أسمع الطعن في سيد قطب لا أستغرب ذلك لقوله الله تعالى: ﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا ﴾ فكل من معه نور من النبوة أيضا له أعداء من أهل الباطل بقدر ما معه من ميراث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فما يضير سيدا طعن الطاعنين، بل هو رفعة له وزيادة في حسناته، ولكن الذي يثير الاستغراب هو فعل أولئك القوم الذين يدّعون اتباع الحق ومع ذلك ينقصون الميزان ولا يزنون بالقسطاس المستقيم والله يقول: ﴿ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ﴾ , فأولئك إذا أرادوا مدح أحد عليه من المآخذ ما يفوق سيدا بأضعاف قالوا كلمتهم المشهورة "تغمس أخطاؤه في بحر حسناته" وقالوا "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وغير ذلك، وإذا أرادوا ذم آخر كسيد الذي يعد مجددا في باب ( إن الحكم إلا لله ) سلكوا معه طريق الخوارج وكفروه بالمعاصي والزلات .
وسيد لا ندعي له العصمة من الخطأ، بل نقول إن له أخطاء ليس هذا مجال تفصيلها، ولكنها لا تخل بأصل دعوته ومنهجه، كما أن عند غيره من الأخطاء التي لم تقدح في منـزلتهم وعلى سبيل المثال ابن حجر والنووي وابن الجوزي وابن حزم، فهؤلاء لهم أخطاء في العقيدة إلا أن أخطاءهم لم تجعل أحدا من أبناء الأمة ولا أعلامها يمتـنع من الاستفادة منهم أو يهضمهم حقهم وينكر فضائلهم ، فهم أئمة إلا فيما أخطئوا فيه، وهذا الحال مع سيد فأخطاؤه لم تقدح في أصل منهجه ودعوته لتوحيد الحاكمية وتعبيد الناس لربهم.

والقاعدة التي يجب أن تقرر في مثل هذه الحالات هي ما يستفاد من قول الله تعالى ﴿ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ﴾ فكل من حقق ما يجب تحقيقه من أصل الدين، ينظر بعد ذلك في سائر منهجه فإن كان خطؤه أكثر من صوابه وشره يغلب على نفعه فإنه يهمل قوله وتطوى كتبه ولا تروى ، وعلى ذلك فالقول الفصل في سيد أن أخطاءه مغمورة في جانب فضائله ودفاعه عن ( لا إله إلا الله )، لا سيما أنه حقق أصول المعتقد الصحيح ، وإن كان عليه بعض المآخذ وعبارات أطلقها لا نوافقه عليها .
وختاما :

لا يسعني إلا أن أذكر أنني أحسب سيدا والله حسيبه يشمله قوله عليه الصلاة والسلام (( سيد الشهداء حمزة، ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله )) فنحسب أن سيدا قد حقق ذلك الشرط حيث قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله .. وأنقل كلمة له قبل إعدامه بقليل عندما أعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند سماعه نبأ الحكم عليه بالإعدام "الشهادة" وتعجب لأنه لم يحزن ويكتئب وينهار ويحبط فسأله قائلا : أنت تعتـقد أنك ستكون شهيدا فما معنى شهيد عندك؟ أجاب قائلا : الشهيد هو الذي يقدم شهادة من روحه ودمه أن دين الله أغلى عنده من حياته، ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين الله .

وله من المواقف والأقوال التي لا يشك عارف بالحق أنها صادرة عن قلب قد مليء بحب الله وحب رسوله ، وحب التضحية لدينه، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا وإياه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قاله ؛ حمود بن عقلاء الشعيبي 16/5/1421هـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التراث التفسيري لسيد قطب.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سوبر ماما :: القسم الاسلامى :: القرأن الكريم-
انتقل الى: